صفحة جزء
3171 22 - حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان ، حدثنا المغيرة بن النعمان قال : حدثني سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ، ثم قرأ : كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم ، وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : أصحابي أصحابي ، فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله : الحكيم


مطابقته للترجمة في قوله : " وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وسفيان هو الثوري ، والمغيرة بن النعمان النخعي الكوفي .

والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير ، عن أبي الوليد ، وسليمان بن حرب فرقهما ، وفي الرقاق عن بندار ، عن غندر ، وفي أحاديث الأنبياء عن محمد بن يوسف.

وفيه أيضا عن محمد بن كثير ، وأخرجه مسلم في صفة القيامة عن أبي موسى وبندار ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعن عبيد الله بن معاذ ، وأخرجه الترمذي في الزهد ، عن أبي موسى وبندار به ، وعن محمود بن غيلان ، وفي التفسير عن محمود بن غيلان أيضا ، وأخرجه النسائي في الجنائز ، عن محمود بن غيلان ، وعن محمد بن المثنى ، وفي التفسير عن سليمان بن عبيد الله .

( ذكر معناه ) قوله : " إنكم محشورون " جمع محشور من الحشر ، وهو الجمع ، وفي رواية مسلم : " إنكم تحشرون " بتاء المضارعة على صيغة المجهول ، قوله : " حفاة " جمع حاف ، وهو خلاف الناعل كقضاة جمع قاض من حفي يحفى حفية وحفاية ، وأما من حفي من كثرة المشي إذا رقت قدمه فهو حفء من الحفا مقصور ، قوله : " عراة " جمع عار من الثياب ، قوله : " غرلا " بضم الغين جمع أغرل وهو الأقلف ، وهو الذي لم يختن ، وبقيت معه غرلته وهي قلفته وهي الجلدة التي تقطع في الختان ، قال الأزهري وغيره : هو الأغرل والأرغل والأغلف بالغين المعجمة في الثلاثة ، والأقلف ، والأعرم بالعين المهملة ، وجمعه غرل ورغل وغلف وقلف وعرم ، والغرلة : ما يقطع من ذكر الصبي ، وهو القلفة ، وبطولها يعرف نجابة الصبي ، وقال أبو هلال العسكري : لا تلتقي الراء مع اللام في العربية إلا في أربع كلمات : أرل اسم جبل ، وورل اسم دابة ، وجرل هو اسم للحجارة ، والغرلة ، وقال صاحب التوضيح : أهمل أربع كلمات أخرى : برل الديك وهو الريش الذي يستدير بعنقه ، وعين أغرل : أي واسع ، ورجل غرل مسترخي الخلق ، والهرل ولد قاله القالي ، قلت : لغة العرب واسعة ، واستقصاء هذه المادة متعسر ، والورل بفتحتين دابة مثل الضب ، والجمع ورلان ، والجرل بفتح الجيم ، وفتح الراء ، وكذلك الجرول ، والواو للإلحاق بجعفر ، وبرل الديك بضم الباء [ ص: 242 ] الموحدة ، وقال الجوهري : برائل الديك عفرته ، وهو الريش الذي يستدير في عنقه ، ولم يذكر برلا ، وقد برأل الديك برألة إذا نفش برائله ، وعين أغرل بالغين المعجمة ، ورجل غرل بفتح الغين المعجمة وكسر الراء مسترخي الخلق بالخاء المعجمة .

( فإن قلت ) ما فائدة الغلفة يوم القيامة ( قلت ) : المقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ، ولا يفقد منهم شيء حتى الغرلة تكون معهم ، وقال ابن الجوزي : لذة جماع الأقلف تزيد على لذة جماع المختون ، وقال ابن عقيل : بشرة حشفة الأقلف موقاة بالقلفة فتكون بشرتها أرق وموضع الحس كلما رق كان الحس أصدق كراحة الكف إذا كانت موقاة من الأعمال صلحت للحس ، وإذا كانت يد قصار أو نجار خفي فيها الحس ، فلما أبانوا في الدنيا تلك البضعة لأجله أعادها الله ليذيقها من حلاوة فضله ، قال : والسر في الختان مع أن القلفة معفو عن ما تحتها من النجس أنه سنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام .

( فإن قلت ) : روى أبو داود من حديث أبي سعيد أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ، ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - يقول : إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ، ورواه ابن حبان أيضا ، وصححه ، وروى الترمذي من حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - يقول إنكم تحشرون رجالا وركبانا ، وتجرون على وجوهكم ، ففيها معارضة لحديث الباب ظاهرا ، ( قلت ) : أجيب بأنهم يبعثون من قبورهم في ثيابهم التي يموتون فيها ، ثم عند الحشر تتناثر عنهم ثيابهم ، فيحشرون عراة أو بعضهم يأتون إلى موقف الحساب عراة ، ثم يكسون من ثياب الجنة ، وبعضهم حمل قوله : يبعثون في ثيابه على الأعمال أي في أعماله التي يموت فيها من خير أو شر ، قال تعالى : ولباس التقوى ذلك خير وقال تعالى : وثيابك فطهر أي عملك أخلصه .

وروى مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه مرفوعا : " يبعث كل عبد على ما مات عليه " وحمله بعضهم على الشهداء الذين أمر صلى الله عليه وسلم بأن يزملوا في ثيابهم ويدفنوا بها ، ولا يغير شيء من حالهم ، وقالوا : يحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهداء ، فتأوله على العموم ، وقال بعضهم : ومما يدل على حديث الباب قوله تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وقوله تعالى : كما بدأكم تعودون ولا ملابس يومئذ إلا في الجنة .

وذهب الغزالي إلى حديث أبي سعيد ، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم : " بالغوا في أكفان موتاكم ; فإن أمتي تحشر في أكفانها ، وسائر الأمم عراة " ، رواه أبو سفيان مسندا ، وأجيب عنه على تقدير صحته أنه محمول على أمتي الشهداء ، واحتج الغزالي أيضا بما رواه أبو نصر الوائلي في الإبانة من حديث /0 أبي الزبير /0 ، عن جابر مرفوعا : " أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتباهون بها ، ويتزاورون في قبورهم " ، وأجيب بأن ذلك يكون في البرزخ كما في نفس الحديث ، فإذا قاموا خرجوا كما في حديث ابن عباس إلا الشهداء .

قوله : " ثم قرأ قوله تعالى : كما بدأنا أول خلق نعيده " الآية وأولها هو قوله : ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب الأنبياء ) : أي يوم نطوي السماء طيا كطي السجل الصحيفة للكتاب المكتوب ، وعن علي ، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم : السجل ملك يطوي كتب ابن آدم إذا رفعت إليه ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : السجل كاتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعنه أيضا : السجل يعني الرجل ، فعلى هذه الأقوال الكتاب اسم الصحيفة المكتوب فيها .

قوله : أول خلق مفعول لقوله نعيد الذي يفسره نعيده الذي بعده ، والكاف مكفوفة بما ، والمعنى نعيد أول خلق كما بدأناه ; تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء ، وقيل : كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة نظيرها .

قوله : وعدا مصدر مؤكد ; لأن قوله : نعيده عدة للإعادة ، قوله : إنا كنا فاعلين أي قادرين على ما نشاء أن نفعل ، وقيل : معناه إنا كنا فاعلين ما وعدناه ، قوله : " وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم " فيه منقبة ظاهرة له ، وفضيلة عظيمة ، وخصوصية كما خص موسى عليه الصلاة والسلام بأنه صلى الله عليه وسلم يجده متعلقا بساق العرش ، مع أن سيد الأمة أول من تنشق عنه الأرض ، ولا يلزم من هذا أن يكون أفضل منه ، بل هو أفضل من في القيامة ، ولا يلزم من اختصاص الشخص بفضيلة كونه أفضل مطلقا ، أو المراد غير المتكلم بذلك ; لأن قوما من أهل الأصول ذكروا أن المتكلم لا يدخل تحت عموم خطابه .

وروى ابن المبارك في رقائقه من حديث عبد الله بن الحارث ، عن علي رضي الله تعالى عنه : " أول من يكسى خليل الله قبطيتين ، ثم يكسى محمد حلة حبرة عن يمين [ ص: 243 ] العرش ، وفي منهاج الحليمي من حديث عباد بن كثير ، عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه : " أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ، ثم محمد ، ثم النبيون ، ثم قال : إذا أتي بمحمد أتي بحلة لا يقوم لها البشر لنفاسة الكسوة ، فكأنه كسي مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام " ، وروى أبو نعيم من حديث ابن مسعود فيه : " فيكون أول من يكسى إبراهيم ، فيقول ربنا عز وجل : اكسوا خليلي ، فيؤتى بريطتين بيضاوين ، فيلبسهما ، ثم يقصد مستقبل العرش ، ثم يؤتى بكسوتي فألبسها ، فأقوم عن يمينه مقاما يغبطني فيه الأولون والآخرون " .

وفي الأسماء والصفات للبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا : " أول من يكسى إبراهيم حلة من الجنة ، ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ، ويؤتى بي فأكسى حلة لا يقوم لها البشر " ، والحكمة في خصوصية إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذلك ; لكونه ألقي في النار عريانا ، وقيل : لأنه أول من لبس السراويل مبالغة في الستر ، ولا سيما في الصلاة ، فلما فعل ذلك جوزي بأن يكون أول من يستر يوم القيامة .

قوله : " وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال " بكسر الشين ضد اليمين ، ويراد بها جهة اليسار ، قوله : " فأقول أصحابي أصحابي " الأول خبر مبتدأ محذوف تقديره هؤلاء أصحابي ، وأصحابي الثاني تأكيد له ، ويروى أصيحابي أصيحابي ، ووجه التصغير فيه إشارة إلى قلة عدد من هذا وصفهم .

قوله : " لن يزالوا " ، ويروى " لم يزالوا " ، وفي رواية مسلم : " ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب ، أصحابي" ، قوله : " لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " ، وفي رواية مسلم : " فيقال لا تدري ما أحدثوا بعدك " ، وقال الخطابي : الارتداد هنا التأخير عن الحقوق اللازمة ، والتقصير فيها ، قيل : هو مردود ; لأن ظاهر الارتداد يقتضي الكفر ; لقوله تعالى : أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم أي رجعتم إلى الكفر والتنازع ، ولهذا قال : " بعدا لهم وسحقا " ، وهذا لا يقال للمسلمين ، فإن شفاعته للمذنبين .

( فإن قلت ) كيف خفي عليه حالهم ، مع إخباره بعرض أمته عليه ؟ ( قلت ) : ليسوا من أمته ، وإنما يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين والمنافقين ، وقال ابن التين : يحتمل أن يكونوا منافقين ، أو مرتكبي الكبائر من أمته قال : ولم يرتد أحد من أمته ، ولذلك قال : " على أعقابهم " ; لأن الذي يعقل من قوله المرتدين الكفار إذا أطلق من غير تقييد ، وقيل : هم قوم من جفاة العرب دخلوا في الإسلام أيام حياته رغبة ورهبة ، كعيينة بن حصين جاء به أبو بكر رضي الله تعالى عنه أسيرا ، والأشعث بن قيس فلم يقتلهما ولم يسترقهما ، فعادوا الإسلام ، وقال النووي : المراد به المنافقون والمرتدون ، وقيل : المراد من كان في زمنه مسلما ، ثم ارتد بعده فيناديه لما كان يعرفه في حال حياته من إسلامهم ، فيقال : ارتدوا بعدك .

( فإن قلت ) : يشكل عليه بعرض الأعمال ، ( قلت ) : قد ذكرنا أن الذي يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين ولا المنافقين ، وقال أبو عمر : كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض ، كالخوارج ، والروافض ، وسائر أصحاب الأهواء ، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق ، والمعلنون بالكبائر .

قوله : " فأقول كما قال العبد الصالح " وهو عيسى ابن مريم صلوات الله عليهما ، قوله : " وكنت عليهم شهيدا إلى آخره " ، وتمام هذا الكلام من قوله : وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس إلى قوله : فإنك أنت العزيز الحكيم ومعنى قوله : وكنت عليهم شهيدا أي كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب أي الحفيظ عليهم ، والمراقبة في الأصل المراعاة ، وقيل : أنت العالم بهم وأنت على كل شيء شهيد أي شاهد لما حضر وغاب ، وقيل : على من عصى وأطاع ، قوله : إن تعذبهم ذكر ذلك على وجه الاستعطاف والتسليم لأمره وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم لأنهم عبادك وأنت العادل فيهم ، وأنت في مغفرتك عزيز لا يمتنع عليك ما تريد حكيم في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية