صفحة جزء
314 [ ص: 297 ] ( وكن نساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة ، فتقول : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة ) .


مطابقته للترجمة في قولها : ( حتى ترين القصة البيضاء ) ، فإنها علامة إدبار الحيض ، وهذا الأثر ذكره مالك في الموطأ فقال : عن علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه مولاة عائشة أنها قالت : ( كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيها الصفرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة ، فتقول لهن : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء - تريد الطهرة من الحيضة ) .

وقال ابن حزم : خولفت أم علقمة بما هو أقوى من روايتها ، واسم أم علقمة مرجانة ، سماها ابن حبان في كتاب الثقات . وقال العجلي : مدنية تابعية ثقة ، وفي التلويح كذا ذكره البخاري هنا معلقا مجزوما ، وبه تعلق النووي فقال : هذا تعليق صحيح ; لأن البخاري ذكره بصيغة الجزم ، وما علم أن هذه العبارة قد لا تصح كما سبق بيانه في كثير من التعليق المجزوم به عند البخاري ، ولو نظر كتاب ( الموطأ ) لمالك بن أنس لوجده قد قال : عن علقمة إلى آخره ، ولو وجده ابن حزم لما قال : خولفت أم علقمة بما هو أقوى من رواياتها . قلت : حاصل كلامه أنه يرد على النووي في دعواه الجزم به ، ولهذا قال ابن الحصار : هذا حديث أخرجه البخاري من غير تقييد .

قوله : ( وكن نساء ) ، بصيغة الجمع للمؤنث .

وفيه ضمير يرجع إلى النساء ، ويسمى مثل هذا الضمير بالضمير المبهم ، وجوز ذلك بشرط أن يكون مشعرا بما بعده ، فإذا كان كذلك لا يقال : إنه إضمار قبل الذكر .

قوله : ( نساء ) بالرفع ; لأنه بدل من الضمير الذي في ( كن ) ، وهذا على لغة : أكلوني البراغيث . وفائدة ذكره بعد أن علم من لفظ ( كن ) إشارة إلى التنويع والتنوين فيه يدل عليه ، والمراد أن ذلك كان من بعضهن لا من كلهن . وقال بعضهم : والتنكير في النساء للتنويع . قلت : إن لم يكن هذا مصحفا من الناسخ فهو غلط ; لأنه ما ثم كسر في النساء ، وإنما فيه الرفع كما ذكرنا أو النصب على الاختصاص لا يقال : إنه نكرة ، وشرط النصب على الاختصاص أن يكون معرفة ; لأنا نقول : جاء نكرة كما جاء معرفة . وقال الهذلي :


ويأوي إلى نسوة عطل وشعثا مراضيع مثل السعالي



.

قوله : ( بالدرجة ) بضم الدال وسكون الراء - قاله ابن قرقول . وقيل : بكسر الدال وفتح الراء ، وعند الباجي بفتح الدال والراء . قال ابن قرقول : وهي بعيدة عن الصواب . وقال أبو المعاني في كتاب المنتهى والدرج بالتسكين خفش النساء والدرجة شيء يدرج فيدخل في حيا الناقة ، ثم تشمه فتظنه ولدها فتراه ، وكذا ذكره القزاز وصاحب الصحاح وابن سيده ، زاد : والدرجة أيضا خرقة يوضع فيها دواء ، ثم يدخل في حيا الناقة ، وذلك إذا اشتكت منه ، وفي الباهر الدرجة بالكسر والإدراج جمع الدرج ، وهو سفط صغير والدرجة مثال رطبة ، وفي الجمهرة لابن دريد الدرج سفط صغير تجعل فيه المرأة طيبها وما أشبهه . وقال ابن قرقول : ومن قال بكسر الدال وفتح الراء فهو عنده جمع درج ، وهو سفط صغير نحو خرج وخرجة ونحو ترس وترسة .

قوله : ( الكرسف ) بضم الكاف وإسكان الراء ، وضم السين المهملة ، وفي آخره فاء ، وهو القطن - كذا قاله أبو عبيد . وقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب ( النبات ) : وزعم بعض الرواة أنه يقال له : الكرفس على القلب ، ويجمع الكرسف على كراسف ، وفي المحكم : إنما اختير القطن لبياضه ، ولأنه ينشف الرطوبة ، فيظهر فيه من آثار الدم ما لا يظهر من غيره .

قوله : ( فتقول ) ، أي : عائشة رضي الله تعالى عنها .

قولها : ( لا تعجلن ) بسكون اللام نهي لجمع مؤنث مخاطبة ، ويأتي كذلك للجمع المؤنث الغائبة ، ويجوز ها هنا الوجهان وكذا في ( ترين ) فافهم .

قولها : ( حتى ترين ) ، صيغة جمع المؤنث المخاطبة ، وأصلها ترأين على وزن تفعلن ; لأنها من رأى يرأى رؤية بالعين ، وتقول للمرأة : أنت ترين وللجماعة : أنتن ترين ; لأن الفعل للواحدة والجماعة سواء في المواجهة في خبر المرأة من بنات الياء إلا أن النون التي في الواحدة علامة الرفع والتي في الجمع نون الجمع ، فإن قلت : إذا كان أصل ترين ترأين كيف فعل به حتى صار ترين ؟ قلت : نقلت حركة الهمزة إلى الراء ، ثم قلبت ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت لالتقاء الساكنين فصار : ترين على وزن تفلن ; لأن المحذوف منه عين الفعل وهو الهمزة فقط ، ووزن الواحدة تفين ; لأن المحذوف منه عين الفعل ولامه .

قولها : ( القصة البيضاء ) ، بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة ، وفي تفسيرها أقوال قال ابن سيده : القصة والقص والجص ، وقيل : الحجارة من الجص . وقال [ ص: 298 ] الجوهري هي لغة حجازية يقال : قصص داره ، أي : جصصها ، ويقال : القصة القطنة والخرقة البيضاء التي تحتشى بها المرأة عند الحيض . وقال القزاز : القصة الجص ، هكذا قرأته بفتح القاف ، وحكيت بالكسر ، وفي الغريبين والمغرب والجامع : القصة شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله ، وفي المحيط من كتب أصحابنا : القصة الطين الذي يغسل به الرأس ، وهو أبيض يضرب إلى الصفرة ، وجاء في الحديث : ( الحائض لا تغتسل حتى ترى القصة البيضاء ) : أي حتى تخرج القطن التي تحتشي بها كأنها جصة لا تخالطها صفرة .

قلت : أريد بها التشبيه بالجصة في البياض والصفاء ، وأنث لأنه ذهب إلى المطابقة كما حكى سيبويه من قولهم لبنة وعسلة . وقال ابن قرقول : قد فسر مالك القصة بقوله : ( تريد بذلك الطهر ) ، أي : تريد عائشة رضي الله تعالى عنها بقولها : ( حتى ترين القصة البيضاء ) . الطهر من الحيضة ، وفسر الخطابي بقوله : ( تريد البياض التام ) . وقال ابن وهب في تفسيره : رأت القطن الأبيض كأنه هو . وقال مالك : سألت النساء عن القصة البيضاء فإذا ذلك أمر معلوم عند النساء يرينه عند الطهر . وروى البيهقي من حديث ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن فاطمة بنت محمد وكانت في حجر عمرة قالت : أرسلت امرأة من قريش إلى عمرة كرسفة قطن فيها أظنه أراد الصفرة تسألها إذا لم تر من الحيضة إلا هذا طهرت . قال : فقالت : لا حتى ترى البياض خالصا ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك ، فإن رأت صفرة في زمن الحيض ابتداء فهو حيض عندهم . وقال أبو يوسف : لا حتى يتقدمها دم .

التالي السابق


الخدمات العلمية