صفحة جزء
3285 126 - حدثنا إسحاق بن نصر، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب. وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها. فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدقا.


مطابقته للترجمة من حيث إن الرجلين المذكورين فيه من بني إسرائيل، وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري.

والحديث أخرجه مسلم في القضاء عن محمد بن رافع.

قوله: (عقارا)، العقار أصل المال من الأرض وما يتصل بها، وعقر الشيء أصله، ومنه عقر الأرض بفتح العين وضمها، وقيل: العقار المنزل والضيعة، وخصه بعضهم بالنخل. وقال ابن التين: العقار الضياع، وعقار الرجل ضيعته.

قوله: (جرة)، وهي من الفخار ما يصنع من المدر.

قوله: (ولم أبتع منك)؛ أي: ولم أشتر منك الذهب.

قوله: (فتحاكما إلى رجل) ظاهره أنهما حكما ذلك الرجل، لكن في حديث إسحاق بن بشير التصريح بأنه كان حاكما منصوبا للناس.

قوله: (ألكما ولد؟) بفتح الواو واللام، والمراد به جنس الولد؛ لأنه يستحيل أن يكون للرجلين جميعا ولد واحد، والمعنى: ألكل واحد منكما ولد؟ ويجوز بضم الواو وسكون اللام، وهو صيغة جمع، فيكون المعنى: ألكما أولاد؟ ويجوز كسر الواو أيضا.

(فإن قلت): جاء " أنفقوا، وأنكحوا " بصيغة الجمع، وقوله: " تصدقا " بصيغة التثنية! قلت: لأن العقد لا بد فيه من شاهدين، فيكونان مع الرجلين أربعة وهو جمع، والنفقة قد يحتاج فيها إلى المعين كالوكيل فيكون أيضا جمعا، وأما وجه التثنية في الصدقة فلأن [ ص: 58 ] الزوجين مخصوصان بذلك.

وفي الحديث إشارة إلى جواز التحكيم، وفي هذا الباب خلاف؛ فقال أبو حنيفة: إن وافق رأي المحكم رأي قاضي البلد نفذ، وإلا فلا. وأجازه مالك والشافعي بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم وأن يحكم بينهما بالحق سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا، وقال القرطبي: هذا الرجل الذي تحاكما إليه لم يصدر منه حكم على أحد منهما، وإنما أصلح بينهما لما ظهر له من ورعهما وحسن حالهما ولما ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما. وحكى المازري خلافا عندهم فيما إذا ابتاع أرضا فوجد فيها شيئا مدفونا، هل يكون ذلك للبائع أو للمشتري؟ فإن كان من أنواع الأرض كالحجارة والعمد والرخام فهو للمشتري، وإن كان كالذهب والفضة فإن كان من دفين الجاهلية فهو ركاز، وإن كان من دفين المسلمين فهو لقطة، وإن جهل ذلك كان مالا ضائعا، فإن كان هناك بيت مال يحفظ فيه وإلا صرف إلى الفقراء والمساكين وفيما يستعان به على أمور الدين وفيما أمكن من مصالح المسلمين. وقال ابن التين: فإن كان من دفائن الإسلام فهو لقطة، وإن كان من دفائن الجاهلية فقال مالك: هو للبائع. وخالفه ابن القاسم فقال: إن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها. وقول مالك أحسن؛ لأن من ملك أرضا باختطاط ملك ما في باطنها، وليس جهله به حين البيع يسقط ملكه فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية