صفحة جزء
3309 10 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش، أن عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأولئك جهالكم؛ فإياكم والأماني التي تضل أهلها؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين.


مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد تكرر ذكرهم مع بيانهم، والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام، عن أبي اليمان أيضا. وأخرجه النسائي في التفسير، عن محمد بن خالد بن حلي.

قوله: " وهو عنده "، حال من محمد بن جبير. قوله: [ ص: 74 ] في وفد من قريش أيضا حال. قوله: أن عبد الله، بفتح أن والعامل فيه قوله: " بلغ "... قوله: " من قحطان " هو ابن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام، واسمه مهزم، قاله ابن ماكولا، وقيل: قحطان بن هود عليه الصلاة والسلام، وقيل: هو هود، وقيل: أخوه، وقيل: من ذريته، وقيل: هو من سلالة إسماعيل عليه الصلاة والسلام، حكاه ابن إسحاق وغيره. وقال بعضهم: هو قحطان بن الهميسع بن تيمن بن قيذار بن نبت بن إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وبنو قحطان هم العرب العاربة، وعرب اليمن، وهم حمير المشهور أنهم من قحطان، والعرب ثلاثة فرق: عرب عاربة، وعرب متعربة، وعرب مستعربة، فأما العرب العاربة فهم تسع قبائل من ولد إرم بن سام بن نوح: عاد، وثمود، وأميم، وعبيل، وطسم، وجديس، وعمليق، وجرهم، ووبار. وأما العرب المتعربة فهم بنو قحطان، والعرب المستعربة هم بنو إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وزعمت العرب أن قحطان ولد يعرب، وإنما سميت العرب به إذ هو أول من تكلم بالعربية، ونزل أرض اليمن، وأول من قيل له: أبيت اللعن، وأول من قيل له: عم صباحا. قوله: ولا تؤثر، أي: ولا تروى. قوله: والأماني جمع أمنية. وقال ابن الجوزي: الأماني بمعنى التلاوة كأن المعنى: إياكم وقراءة ما في الصحف التي تؤثر عن أهل الكتاب ما لم يأت به الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان ابن عمرو قرأ التوراة، ويحكي عن أهلها إلا أنه حدث به عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لو حدث عنه لما استطاع أحد رده؛ لأنه لم يكن متهما.

وقال ابن التين: إنكار معاوية عليه؛ لأنه حمل حديثه على ظاهره، وقد يخرج القحطاني في ناحية من نواحي الإسلام، ويحمل حديث معاوية على الأكثر... قوله: " إن هذا الأمر في قريش " أراد به الخلافة. قال الكرماني: فإن قلت، فما قولك في زماننا حيث ليس الحكومة لقريش؟ قلت: في بلاد العرب الخلافة فيهم، وكذا في مصر خليفة، انتهى.

قلت: هذا الذي ذكره ليس بشيء، فمن قال: إن في بلاد العرب خلافة، ومن هو هذا الخليفة، وليس في مصر إلا من يسمى خليفة بالاسم، وليس له حل ولا ربط، ولئن سلمنا صحة ما قاله فيلزم منه تعدد الخلافة فلا يجوز إلا خليفة واحد؛ لأن الشارع أمر ببيعة الإمام، والوفاء ببيعته، ثم من نازعه أمر بضرب عنقه، وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا، وفي رواية: ثم يؤتي الله ملكه من يشاء، وهكذا وقع، فإن خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه سنتان وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وخلافة عمر رضي الله تعالى عنه عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان رضي الله تعالى عنه اثنا عشر سنة إلا اثني عشر يوما، وخلافة علي رضي الله عنه خمس سنين إلا شهرين، وتكملة الثلاثين بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما نحوا من ستة أشهر حتى نزل عنها لمعاوية عام أربعين من الهجرة. (فإن قلت): يعارض حديث سفينة ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدين قائما ما كان اثني عشرة خليفة كلهم من قريش. الحديث. قلت: قيل: إن الدين لم يزل قائما حتى ولي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، وأراد بهذا خلافة النبوة، ولم يرد أنه لا يوجد غيرهم، وقيل: هذا الحديث فيه إشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلين من قريش، وإن لم يوجدوا على الولاء، وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة، ثم قد كان بعد ذلك خلفاء راشدون، منهم عمر بن عبد العزيز، ومنهم المهتدي بأمر الله العباسي، ومنهم المهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان. قوله: إلا كبه الله، وهذا الفعل من الشواذ؛ لأن الفعل يتعدى بالهمزة، وهذا الفعل ثلاثيه متعد، ورباعيه لازم. قال الله تعالى: أفمن يمشي مكبا على وجهه

قوله: " ما أقاموا الدين "، أي: مدة إقامتهم الدين، ويحتمل أن يكون معناه أنهم إن لم يقيموه فلا تسمع لهم، وقيل: يحتمل أن لا يقام عليهم، وإن كان لا يجوز بقاؤهم، وقد أجمعوا على أنه إذا دعا إلى كفر أو بدعة يقام عليه، وإن غصب الأموال، وانتهك الحرم، فاختلف فيه: هل يقام عليه، فقال الأشعري مرة: نعم، ومرة: لا.

التالي السابق


الخدمات العلمية