صفحة جزء
324 ( باب إذا رأت المستحاضة الطهر )


أي هذا باب في بيان أن المستحاضة إذا رأت الطهر بأن انقطع دمها تغتسل وتصلي ، ولو كان ذلك الطهر ساعة ، هذا هو المعنى الذي قصده البخاري ، والدليل عليه ذكره الأثر المروي عن ابن عباس على ما يذكر الآن . وقال بعضهم : أي : تميز لها دم العرق من دم الحيض ، فسمي دم الاستحاضة طهرا لأنه كذلك بالنسبة إلى زمن الحيض ، ويحتمل أن يراد به انقطاع الدم والأول أوفق للسياق . انتهى .

قلت : فيه خدش من وجوه :

الأول : أن كلامه يدل على أن دمها مستمر ، ولكن لها أن تميز بين دم العرق ودم الحيض ، والترجمة ليست كذلك ; فإنه نص فيها على الطهر ، وحقيقته الانقطاع عن الحيض . والثاني أنه يقول : فسمي دم الاستحاضة طهرا ، وهذا مجاز ولا داعي له ولا فائدة . والثالث أنه إن يقول إن الأول أوفق للسياق ، وهذا عكس ما قصده البخاري ، بل الأوفق للسياق ما ذكرناه .

( قال ابن عباس : تغتسل وتصلي ، ولو ساعة ، ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم ) .

هذا الأثر طبق الترجمة ، ومراد البخاري من الترجمة مضمون هذا ، وعن هذا قال الداودي معناه : إذا رأت الطهر ساعة ، ثم عاودها دم ، فإنها تغتسل وتصلي ، وهذا التعليق رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن ابن علية ، عن خالد ، عن أنس بن سيرين ، عن ابن عباس به ، والقائل المذكور آنفا كأنه اشتبه ; حيث قال عقيب هذا الكلام : وهذا موافق للاحتمال المذكور أولا .

قوله : ( تغتسل ) معناه المستحاضة إذا رأت طهرا تغتسل وتصلي ، ولو كان ذاك الطهر ساعة ، وفي بعض النسخ : ولو ساعة من نهار ، ومن هذا يعلم أن أقل الطهر ساعة عند ابن عباس ، وعند جمهور الفقهاء : أقل الطهر خمسة عشر يوما ، وهو قول أصحابنا ، وبه قال الثوري والشافعي . وقال ابن المنذر : ذكر أبو ثور أن ذلك لا يختلفون فيه فيما نعلم ، وفي المهذب لا أعرف فيه خلافا . وقال المحاملي : أقل الطهر خمسة عشر يوما بالإجماع ونحوه في التهذيب . وقال القاضي أبو الطيب : أجمع الناس على أن أقل الطهر خمسة عشر يوما . وقال النووي : دعوى الإجماع غير صحيح ; لأن الخلاف فيه مشهور ; فإن أحمد وإسحاق أنكرا التحديد في الطهر ; فقال أحمد : الطهر بين الحيضتين على ما يكون . وقال إسحاق : توقيفهم الطهر بخمسة عشر غير صحيح . وقال ابن عبد البر : أما أقل الطهر فقد اضطرب فيه قول مالك وأصحابه ; فروى ابن القاسم عنه عشرة أيام ، وروى سحنون عنه ثمانية أيام . وقال عبد الملك بن الماجشون : أقل الطهر خمسة أيام ، ورواه عن مالك رحمه الله .

قوله : ( ويأتيها زوجها ) ، أي : يأتي المستحاضة زوجها يعني يطؤها ، وبه قال جمهور الفقهاء وعامة العلماء ، ومنع من ذلك قوم ، روي ذلك عن عائشة رضي الله تعالى عنها . قالت : المستحاضة لا يأتيها زوجها ، وهو قول إبراهيم النخعي والحكم وابن سيرين والزهري . وقال الزهري : إنما سمعنا بالرخصة في الصلاة ، وحجة الجماعة أن دم الاستحاضة ليس بأذى يمنع الصلاة والصوم ، فوجب أن لا يمنع الوطء ، وروى أبو داود في سننه من حديث عكرمة قال : كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها ، أي : يجامعها ، ورواه البيهقي أيضا .

وروى أبو داود أيضا ، عن عكرمة ، عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة ، وكان زوجها يجامعها . وقال الحافظ ركن الدين في سماع عكرمة ، عن أم حبيبة وحمنة نظر ، وليس فيهما ما يدل على سماعه منهما .

قوله : ( إذا صلت ) ، ليس له تعلق بقوله : ( ويأتيها زوجها ) ، بل هي جملة مستقلة ابتدائية جزائية ، وفي جوابها وجهان :

الأول : على قول الكوفيين جوابها ما تقدمها ، وهو قوله : ( تغتسل وتصلي ) ، والتقدير على قولهم : المستحاضة إذا صلت يعني إذا أرادت الصلاة تغتسل وتصلي .

الوجه الثاني : على قول البصريين : إن الجواب محذوف ، تقديره : إذا صلت تغتسل وتصلي .

قوله : ( الصلاة أعظم ) ، جملة من المبتدأ والخبر ، كأنها جواب عن سؤال مقدر ، بأن يقال : كيف يأتي المستحاضة زوجها ، فقال : الصلاة أعظم ، أي : أعظم من الوطء ، فإذا جاز لها الصلاة التي هي أعظم ، فالوطء بطريق الأولى . وقال بعضهم : قوله : ( الصلاة [ ص: 315 ] أعظم ) الظاهر أن هذا بحث من البخاري ، وأراد به بيان الملازمة ، أي : إذا جازت الصلاة فجواز الوطء أولى . قلت : قوله : ( وأراد به بيان الملازمة ) أخذه من الكرماني .

التالي السابق


الخدمات العلمية