صفحة جزء
3330 [ ص: 88 ] 30 - حدثنا محمد، أخبرنا مخلد بن يزيد، أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، أنه سمع جابرا رضي الله عنه يقول: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعاب، فكسع أنصاريا، فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا. وقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: فما بال دعوى أهل الجاهلية؟ ثم قال: ما شأنهم؟ فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها خبيثة. وقال عبد الله بن أبي ابن سلول: أقد تداعوا علينا: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال عمر: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؛ لعبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه.


مطابقته للترجمة في قوله: ما بال دعوى الجاهلية.

ذكر رجاله، وهم خمسة: الأول: محمد، كذا وقع محمد غير منسوب عند جميع الرواة. وقال أبو نعيم: هو محمد بن سلام، نص عليه في المستخرج، وكذا قاله أبو علي الجياني، وجزم به الدمياطي أيضا. الثاني: مخلد، بفتح الميم واللام ابن يزيد من الزيادة، أبو الحسن الحراني الجزري، مات سنة ثلاث وتسعين ومائة. الثالث: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وقد تكرر ذكره. الرابع: عمرو بن دينار القرشي الأثرم المكي. الخامس: جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، والحديث من أفراده.

قوله: " غزونا " هذه الغزوة هي غزوة المريسيع، وفي مسلم: قال سفيان: يرون أن هذه الغزوة غزوة بني المصطلق، وهي غزوة المريسيع، وكانت في سنة ست من الهجرة. قوله: " ثاب "، بالثاء المثلثة. قال الكرماني، أي: اجتمع معه ناس. وقال الداودي: معناه خرج، والذي عليه أهل اللغة أن معنى ثاب رجع. قوله: " لعاب ". قيل: معناه مطال، وقيل: كان يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة، وقيل: مزاح، واسمه جهجاه بن قيس الغفاري، وكان أجير عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. قوله: " فكسع "، بفتح الكاف، والسين المهملة، والعين المهملة، من الكسع، وهو أن تضرب بيدك أو برجلك دبر إنسان، ويقال: هو أن تضرب عجز إنسان بقدمك، وقيل: هو ضربك بالسيف على مؤخره، وفي الموعب: كسعته بما ساءه إذا تكلم، فرميته على إثر قوله: بكلمة تسوؤه بها. قوله: " أنصاريا "، أي: رجلا أنصاريا، وهو سنان بن وبرة حليف بني سالم الخزرجي. قوله: " حتى تداعوا "، أي: حتى استغاثوا بالقبائل يستنصرون بهم في ذلك، والدعوى الانتماء، وكان أهل الجاهلية ينتمون بالاستغاثة إلى الآباء، وتداعوا بصيغة الجمع، وعن أبي ذر: تداعوا بالتثنية. قال بعضهم: والمشهور في هذا تداعيا بالياء عوض الواو. قلت: الذي قال بالواو، أخرجه على الأصل. قوله: " يا للأنصار "، ويروى يا آل الأنصار. قال النووي: كذا في معظم نسخ البخاري بلام مفصولة في الموضعين، وفي بعضها بوصلها، وفي بعضها يا آل بهمزة، ثم لام مفصولة، واللام في الجميع مفتوحة، وهي لام الاستغاثة، قال: والصحيح بلام موصولة، ومعناه: أدعو المهاجرين، وأستغيث بهم. قوله: " ما بال دعوى الجاهلية "، يعني: لا تداعوا بالقبائل، بل تداعوا بدعوة واحدة بالإسلام، ثم قال: ما شأنهم؟ أي: ما جرى لهم، وما الموجب في ذلك. قوله: " دعوها "، أي: دعوا هذه المقالة، أي: اتركوها أو دعوا هذه الدعوى، ثم بين حكمة الترك بقوله: فإنها خبيثة، أي: فإن هذه الدعوة خبيثة، أي: قبيحة منكرة كريهة مؤذية؛ لأنها تثير الغضب على غير الحق والتقاتل على الباطل، وتؤدي إلى النار كما جاء في الحديث: " من دعا بدعوى الجاهلية فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار ". وتسميتها دعوى الجاهلية؛ لأنها كانت من شعارهم، وكانت تأخذ حقها بالعصبية فجاء الإسلام بإبطال ذلك، وفضل القضاء بالأحكام الشرعية إذا تعدى إنسان على آخر حكم الحاكم بينهما، وألزم كلا ما لزمه. وقال السهيلي: من دعا بدعوى الجاهلية يتوجه للفقهاء فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا اقتداء بأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا حين سمع يا لعامر.

[ ص: 89 ] الثاني فيه الجلد دون العشرة أسواط لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط. الثالث: يوكل إلى اجتهاد الإمام على حسب ما يراه من سد الذريعة وإغلاق باب الشر، إما بالوعيد، وإما بالسجن، وإما بالجلد، قيل في القول الأول الذي ذكره السهيلي فيه نظر؛ لأن أبا الفرج الأصبهاني وغيره ذكروا أن النابغة لما سمع يا لعامر أخذ عصاه، وجاء مغيثا، والعصا لا تعد سلاحا يقتل. قوله: " وقال عبد الله بن أبي ابن سلول "، إلى آخره. إنما قال ذلك عبد الله؛ لأنه كان مع عمر بن الخطاب أجيرا له من غفار، يقال له: جعال كان معه فرس يقوده، فحوض لعمر حوضا، فبينما هو قائم على الحوض إذ أقبل رجل من الأنصار يقال له: وبرة بن سنان الجهني، وسماه أبو عمر: سنان بن تميم، وكان حليفا لعبد الله بن أبي فقاتله فتداعيا بقبائلهما، فقال عبد الله بن أبي: أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. وأما قوله تعالى في سورة المنافقين يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقد قال النسفي في تفسيره: يقولون - أي: المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه -: والله لئن رجعنا من غزاة بني لحيان، ثم بني المصطلق، وهو حي من هذيل إلى المدينة. " ليخرجن الأعز " عنى به نفسه. " منها " من المدينة. " الأذل " يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، ولقد كذب عدو الله. قوله: " فقال عمر رضي الله تعالى عنه ": ألا نقتل بالنون، ويروى بالتاء المثناة من فوق. قوله: " هذا الخبيث " أراد به عبد الله بن أبي، وقد بينه بقوله لعبد الله، واللام فيه يتعلق بقوله: قال عمر، أي: قال لأجل عبد الله. وقال الكرماني أو اللام للبيان نحو هيت لك. وفي بعضها: يعني: عبد الله. وقال بعضهم: اللام بمعنى عن. قلت: قال هذا بعضهم في قوله: " وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ". ورده ابن مالك وغيره، وقالوا: اللام هاهنا للتعليل، وقيل غير ذلك. قوله: " فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: لا "، أي: لا نقتل. قوله: " يتحدث الناس "، إلى آخره. كلام مستقل، وليس له تعلق بكلمة " لا " فافهم. قوله: " أنه، أي: النبي صلى الله عليه وسلم كان يقتل أصحابه، ويتنفر الناس عن الدخول في الإسلام، ويقول بعضهم لبعض: ما يؤمنكم إذا دخلتم في دينه أن يدعي عليكم كفر الباطن، فيستبيح بذلك دماءكم وأموالكم فلا تسلموا أنفسكم إليه للهلاك، فيكون ذلك سبيلا لنفور الناس عن الدين.

التالي السابق


الخدمات العلمية