صفحة جزء
3505 204 - حدثنا أحمد بن أبي بكر، حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار أبو عبد الله الجهني، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة: وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتى لا آكل الخمير، ولا ألبس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب كان يقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها.


مطابقته للترجمة في قوله: وكان أخير الناس... إلى آخره؛ لأن هذا منقبة حسنة.

وأحمد بن أبي بكر واسمه قاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب القرشي الزهري، ومحمد بن إبراهيم بن دينار يروي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، وهؤلاء كلهم مدنيون.

والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن عبد الرحمن بن أبي شيبة، عن ابن أبي فديك.

قوله: " أكثر أبو هريرة " أي: في رواية الحديث.

قوله: " بشبع " أي: بسبب شبع بطني.

[ ص: 220 ] وفي رواية الكشميهني: لشبع بطني أي: لأجل شبع بطني، بكسر الشين، وفتح الباء.

قوله: " حتى لا آكل " هذه رواية الكشميهني. وفي رواية غيره: حين لا آكل، وهو الأوجه.

قوله: " الخمير " بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم، وهو الخبز الذي خمر وجعل في عجينه الخميرة، ويروى الخبيز بكسر الباء الموحدة وفي آخره زاي، وهو الخبز المأدوم والخبزة بضم المعجمة وسكون الباء الموحدة وبالزاي الأدم.

قوله: " ولا ألبس الحبير "، بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وبالراء في آخره الجديد والحسن، وقيل: الثوب المحبر كالبرود اليمانية، وقال الهروي: الحبير ثياب تصبغ باليمن، ويروى: ولا ألبس الحرير.

قوله: " فلان وفلانة " أراد به من يخدم من الذكور والإناث.

قوله: " وكنت ألصق بطني " وفائدة إلصاق البطن بالحصباء انكسار حرارة شدة الجوع.

وقوله: " وإن كنت لأستقرئ الرجل " قال بعضهم أي: أطلب منه القرى، فيظن أني أطلب منه القراءة. قال: ووقع بيان ذلك في رواية لأبي نعيم في الحلية عن أبي هريرة أنه وجد عمر، فقال: أقريني فظن أنه من القراءة، فأخذ يقرئه القرآن، ولم يطعمه، قال: وإنما أردت منه الطعام. انتهى.

قلت: هذا الذي قاله غير صحيح، ويظهر فساده من قوله: " كنت لأستقرئ الرجل " الآية هي معي أي: والحال أن تلك الآية معي، وهي جملة اسمية، وقعت حالا بغير واو.

قال الكرماني: أي الآية معي أي: كنت أحفظها، والحاصل أن أبا هريرة يقول لواحد من الناس: إني أطلب قراءة آية من القرآن، والحال أنه يحفظها، ولكن يتخيل في قصده من هذا أن يؤديه إلى بيته فيطعمه شيئا، وهو معنى قوله: " كي ينقلب بي " أي: يرجع بي إلى منزله فيطعمني شيئا، والدليل على هذا ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة: إن كنت لأسأل الرجل عن الآية، وأنا أعلم بها منه ما أسأله إلا ليطعمني شيئا، واستدلال هذا القائل على المعنى الذي فسره بما رواه أبو نعيم لا يفيده أصلا؛ لأنه قضية أخرى مخصوصة بما وقع بينه وبين عمر رضي الله تعالى عنه، والذي هنا أعم من ذلك.

قوله: " وكان أخير الناس " على وزن أفعل التفضيل، وفي رواية الكشميهني: وكان خير الناس لغتان فصيحتان مستعملتان.

قوله: " للمساكين ". وفي رواية الكشميهني: للمسكين بالإفراد، وهو جنس يتناول المساكين، وكان جعفر يسمى بأبي المساكين، وكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يكنيه بهذا.

قوله: " ما كان في بيته " في محل النصب؛ لأنه مفعول ثان ليطعمنا.

قوله: " حتى إن كان "، كلمة إن هذه مخففة من المثقلة.

قوله: " ليخرج "، بضم الياء من الإخراج، والعكة بالنصب مفعوله، وهي بضم العين المهملة وتشديد الكاف وعاء السمن.

قوله: " فنلعق " بنون المتكلم مع الغير من لعق يلعق من باب علم يعلم لعقا بفتح اللام، وهو اللحس.

(فإن قلت): بين قوله: " ليس فيها شيء " وبين قوله: " فنلعق " منافاة ظاهرا.

قلت: لا منافاة؛ لأن معنى قوله: " ليس فيها شيء " يعني يمكن إخراجه منها بغير قطعها، ومعنى قوله: " فنلعق " يعني بعد الشق نلعق مما يبقى في جوانبها. فافهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية