صفحة جزء
3642 337 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، حدثني سعيد بن جبير أو قال حدثني الحكم، عن سعيد بن جبير قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى قال: سل ابن عباس عن هاتين الآيتين ما أمرهما ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن يقتل مؤمنا متعمدا فسألت ابن عباس فقال: لما أنزلت التي في الفرقان قال مشركو أهل مكة: فقد قتلنا النفس التي حرم الله ودعونا مع الله إلها آخر، وقد أتينا الفواحش فأنزل الله: إلا من تاب وآمن الآية...، فهذه لأولئك، وأما التي في النساء الرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم خالدا فيها، فذكرته لمجاهد فقال: إلا من ندم.


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله " مشركو أهل مكة فقد قتلنا النفس التي حرم الله " لأنه لم يك في إيصالهم الأذى للمسلمين أشد من قتلهم وتعذيبهم إياهم، وقال بعضهم: والغرض منه أي: من هذا الحديث الإشارة إلى أن صنيع المشركين بالمسلمين من القتل والتعذيب وغير ذلك يسقط عنهم بالإسلام، انتهى، (قلت): أراد بذلك بيان وجه المطابقة للترجمة فلا مطابقة بينهما بالوجه الذي ذكره أصلا لأن الترجمة ليست بمعقودة لما ذكره.

وعثمان بن أبي شيبة هو أخو أبي بكر بن أبي شيبة، وأبو شيبة اسمه إبراهيم وهو جدهما لأنهما ابنا محمد بن أبي شيبة، وكلاهما من شيوخ البخاري ومسلم، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، والحكم بفتح الحاء المهملة والكاف هو ابن عتيبة الكوفي، وعبد الرحمن بن أبزى بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي مقصورا مولى خزاعة، كوفي أدرك النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وصلى خلفه، مر في التيمم.

والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن آدم، وعن عبدان، وعن سعد بن حفص، وحديثه أتم، وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار كلاهما عن غندر، وعن هارون بن عبد الله، وأخرجه أبو داود في الفتن عن يوسف بن موسى، وأخرجه النسائي في المحاربة وفي التفسير عن محمد بن المثنى به.

قوله: " أو قال حدثني الحكم " أي: أو قال منصور: حدثني الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبير، الحاصل أن منصورا شك في روايته بين سعيد وبين الحكم حيث قال: حدثني سعيد بن جبير أو قال: حدثني الحكم عن سعيد بن جبير. قوله: " ما أمرهما " أي: ما التوفيق بينهما حيث دلت الأولى على العفو عند التوبة، والثانية على وجوب الجزاء مطلقا. قوله: " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " كذا وقع في الرواية والذي وقع في التلاوة هو ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق كذا في سورة الفرقان. قوله: " قال لما أنزلت " جواب ابن عباس وهو أن الآية التي في الفرقان وهي الأولى في حق الكفار والتي في سورة النساء وهي الثانية في حق المسلمين، وفي رواية مسلم عن سعيد بن جبير قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم فسألته فقال: لم ينسخها شيء، وعن هذه الآية: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق نزلت في أهل الشرك، وفي رواية له عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية بمكة والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله: فيه مهانا فقال المشركون: وما يغني عنا الإسلام وقد عدلنا بالله، وقد قتلنا النفس التي حرم الله وأتينا الفواحش، فأنزل الله تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا إلى آخر الآية.

قال: فأما من دخل في الإسلام وعقل ثم قتل فلا توبة له، وفي رواية له عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: لا، قال: فتلوت هذه الآية التي في الفرقان: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى آخر الآية، قال: هذه آية مكية نسختها آية مدنية: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وحاصل الكلام أن ابن عباس رضي الله تعالى [ ص: 307 ] عنهما قال: إن قاتل النفس عمدا بغير حق لا توبة له، واحتج في ذلك بقوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ادعى أن هذه الآية مدنية نسخت هذه الآية المكية وهي: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية...، هذا هو المشهور عن ابن عباس، وروي عنه: أن له توبة وجواز المغفرة له لقوله تعالى: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وهذه الرواية الثانية هي مذهب جميع أهل السنة والصحابة والتابعين ومن بعدهم، قال النووي: وما روي عن بعض السلف مما يخالف هذا فمحمول على التغليظ والتحذير من القتل، وليس في هذه الآية التي احتج بها ابن عباس تصريح بأنه يخلد، وإنما فيها أنه جزاؤه ولا يلزم منه أن يجازى. قوله: " فذكرته لمجاهد " أي: قال عبد الرحمن بن أبزى: فذكرت الحديث لمجاهد بن جبير فقال: إلا من ندم يعني قال الآية الثانية مطلقة فتقيد بقوله: " إلا من ندم " إلا من تاب حملا للمطلق على المقيد.

التالي السابق


الخدمات العلمية