صفحة جزء
344 [ ص: 54 ] ( وقول الله تعالى : خذوا زينتكم عند كل مسجد
هذا عطف على قول وجوب الصلاة ، والتقدير : وفي بيان معنى قول الله تعالى : أراد بالزينة ما يواري العورة ، وبالمسجد الصلاة ، ففي الأول إطلاق اسم الحال على المحل ، وفي الثاني إطلاق اسم المحل على الحال لوجود الاتصال الذاتي بين الحال والمحل ، وهذا لأن أخذ الزينة نفسها وهي عرض محال ، فأريد محلها وهو الثوب مجازا ، وكانوا يطوفون عراة ويقولون : لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها فنزلت . لا يقال نزول الآية في الطواف فكيف يثبت الحكم في الصلاة لأنا نقول : العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وهذا اللفظ عام لأنه قال : عند كل مسجد ، ولم يقل عند المسجد الحرام ، فيعمل بعمومه ، ويقال : خذوا زينتكم من قبيل إطلاق المسبب على السبب لأن الثوب سبب الزينة ومحل الزينة الشخص ، وقيل : الزينة ما يتزين به من ثوب وغيره كما في قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن والستر لا يجب لعين المسجد بدليل جواز الطواف عريانا ، فعلم من هذا أن ستره للصلاة لا لأجل الناس حتى لو صلى وحده ولم يستر عورته لم تجز صلاته وإن لم يكن عنده أحد ، وقال بعضهم بعد قوله وقول الله عز وجل : خذوا زينتكم عند كل مسجد يشير بذلك إلى تفسير طاوس في قوله تعالى : خذوا زينتكم قال الثياب . ( قلت ) : هذا تخمين وحسبان وليس عليه برهان ، وقد اتفق العلماء على أن المراد منه ستر العورة ، وعن مجاهد : وار عورتك ولو بعباءة . وفي مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعا " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة " ، وعن المسور قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة " ، وفي صحيح ابن خزيمة عن عائشة يرفعه " لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار " وقال ابن بطال : أجمع أهل التأويل على أن نزولها في الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة ، وقال ابن رشد : من حمله على الندب قال : المراد بذلك الزينة الظاهرة من الرداء وغيره من الملابس التي هي زينة مستدلا بما في الحديث أنه كان رجال يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ، ومن حمله على الوجوب استدل بحديث مسلم عن ابن عباس " كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة فتقول : من يعيرني تطوافا ، وتقول :


اليوم يبدو بعضه أو كله

.

فنزلت خذوا زينتكم

التالي السابق


الخدمات العلمية