صفحة جزء
26 (باب: الجهاد من الإيمان)


الكلام فيه على أنواع: الأول; قوله " باب " لا يستحق الإعراب إلا بتقدير هذا باب فيكون خبرا محذوف المبتدأ، وقوله " الجهاد " مرفوع بالابتداء وخبره من الإيمان ولا يجوز فيه غير الرفع. الثاني: وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول هو قيام ليلة القدر، ولا يحصل ذلك إلا بالمجاهدة التامة ومقاساة المشقة وترك الاختلاط بالأهل والعيال، فكذلك المذكور في هذا الباب حال المجاهد الذي لا يحصل له الحظ من الجهاد ولا يسمى مجاهدا إلا بالمجاهدة التامة ومقاساة المشقة الزائدة وترك الأهل والعيال، وكما أن القائم ليلة القدر يجتهد أن ينال رؤية تلك الليلة ويتحلى بها، وإلا فيكتسب أجورا عظيمة، فكذلك المجاهد يجتهد أن ينال درجة الشهداء ومنزلتهم وإلا فيرجع بغنيمة وافرة مع اكتساب اسم الغزاة، فهذا هو وجه المناسبة وإن كان الترتيب الوضعي يقتضي أن يذكر باب تطوع قيام رمضان عقيب هذا الباب وباب صوم رمضان عقيب هذا.

وقال الكرماني: فإن قلت هل لترتيب الكتاب وتوسيط الجهاد بين قيام ليلة القدر وقيام رمضان وصيامه مناسبة أم لا؟ قلت: مناسبته تامة وهي المشاركة في كون كل من المذكورات من أمور الإيمان وتوسيط الجهاد مشعر بأن النظر مقطوع عن غير هذه المناسبة. قلت: يريد بكلامه هذا أن المناسبة بين هذه الأبواب كلها هي اشتراكها في كونها من خصال الإيمان مع قطع النظر عن طلب المناسبة بين كل بابين من الأبواب، وهذا كلام من يعجز عن إبداء وجه المناسبة الخاصة مع بيان المناسبة العامة وما ينبغي أن يذكر ما ذكرته، فافهم.

الثالث: معنى قوله "الجهاد من الإيمان" الجهاد شعبة من شعب الإيمان، وقال ابن بطال وعبد الواحد الشارحان هذا كالأبواب المتقدمة في أن الأعمال إيمان لأنه لما كان الإيمان هو المخرج له في سبيله كان الخروج إيمانا تسمية للشيء باسم سببه، كما قيل للمطر سماء لنزوله من السماء وللنبات نوأ لأنه ينشأ من النوء والجهاد القتال مع الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية