صفحة جزء
358 31 - حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال : قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الصلاة في الثوب الواحد ، فقال : أوكلكم يجد ثوبين ؟ ثم سأل رجل عمر فقال : إذا وسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار ، ورداء في إزار ، وقميص في إزار ، وقباء في سراويل ، ورداء في سراويل ، وقميص في سراويل ، وقباء في تبان ، وقميص . قال : وأحسبه قال في تبان ، ورداء .
مطابقة هذا للترجمة ظاهرة لأنها في ذكر الصلاة في الأشياء الأربعة المذكورة ، وصدر هذا الحديث أعني المرفوع منه قد تقدم الكلام فيه في آخر باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به ؛ لأنه رواه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولكلكم ثوبان ؟ وهاهنا عن سليمان بن حرب إلخ .

وأيوب هو السختياني ، ومحمد هو ابن سيرين ، وقد تقدموا غير مرة ، قوله : "أولكلكم" بهمزة الاستفهام ، وواو العطف أي : لا يجد كل واحد ثوبين ؛ فلهذا تصح الصلاة في الثوب الواحد ، قوله : "ثم سأل رجل عمر" أي : سأل عن الصلاة في ثوب واحد ، ولم يسم الرجل في الموضعين ، وقال بعضهم : يحتمل أن يكون ابن مسعود ؛ لأنه اختلف هو وأبي بن كعب رضي الله عنهما في ذلك ؛ فقال أبي : الصلاة في الثوب الواحد ، يعني لا تكره ، وقال ابن مسعود : إنما كان ذلك وفي الثياب قلة فقال عمر : القول ما قال أبي ، ولم يأل ابن مسعود أي : لم يقصر . ( قلت ) اختلاف أبي وابن مسعود في ذلك لا يدل على أن السائل من عمر هو ابن مسعود بعينه ، ويحتمل أن يكون أبي ، والاحتمال موجود فيهما مع أنه حدس ، وتخمين ، وأما اختلافهما في ذلك فقد أخرجه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمر ، وعن الحسن قال اختلف أبي بن كعب ، وابن مسعود في الصلاة في ثوب واحد ، فقال أبي : لا بأس به ، وقال ابن مسعود : إنما كان ذلك إذ كان الناس لا يجدون ثيابا ، فأما إذا وجدوها فالصلاة في ثوبين فقام عمر على المنبر فقال : الصواب ما قال أبي لا ما قال ابن مسعود .

قوله : "فقال إذا وسع الله" أي : فقال عمر في جواب الرجل الذي سأله عن الصلاة في الثوب الواحد . قوله : "جمع رجل عليه . . . إلخ" من بقية قول عمر ، وتتمة كلامه والضمير في عليه يرجع إلى الرجل أي : جمع رجل على نفسه ثيابه ، ولفظة "جمع" وإن كانت صيغة الماضي ، ولكن المراد منها الأمر ، وكذلك قوله "صلى" فلذلك قال ابن بطال : يريد ليجمع عليه ثيابه ، وليصل فيها ذكره بلفظ الماضي ، ومراده المستقبل كقوله تعالى : وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس والمعنى يقول الله يدل عليه قول عيسى عليه الصلاة والسلام : ما قلت لهم إلا ما أمرتني

قوله : "صلى رجل" أي : ليصل رجل في إزار ورداء ، وهذه تسع صور : الأولى هذه ، والفرق بين الإزار والرداء بحسب العرف ؛ لأن الإزار للنصف الأسفل ، والرداء للنصف الأعلى ، الثانية : من الصور هي قوله : في إزار وقميص أي : ليصل في إزار وقميص ، الثالثة : قوله في إزار وقباء أي : ليصل فيهما ، وإنما قدم هذه الثلاثة لأنها أستر وأكثر استعمالا ، الرابعة : قوله في سراويل ورداء أي : ليصل فيهما ، الخامسة : قوله في سراويل وقميص ، السادسة : قوله في سراويل وقباء ، السابعة : قوله في تبان وقباء ، الثامنة : قوله : في تبان وقميص ، التاسعة : قوله : في تبان ورداء ، ولم يقصد بذلك العدد الحصر ، بل ألحق بذلك ما يقوم مقامه .

( فإن قلت ) : كان المناسب أن يقول : أو كذا أو كذا بحرف العطف ، فلم ترك حرف العطف ؟ ( قلت ) أخرج هذا على سبيل التعداد ، فلا حاجة إلى ذكر حرف [ ص: 74 ] العطف كما في قوله عليه الصلاة والسلام : "تصدق امرؤ من ديناره من درهمه من صاع تمره" ، ويجوز أن يقال : حذف حرف العطف على قول من يجوز ذلك من النحاة ، والتقدير حينئذ : صلى رجل في إزار ورداء ، أو في إزار وقميص ، أو في إزار وقباء إلى آخره كذلك ، وقال الكرماني : هو من باب الإبدال . ( قلت ) كأنه أشار بذلك إلى ما قاله ابن المنير إنه كلام في معنى الشرط ، كأنه قال : إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن ، ثم فصل الجمع بصور على البدلية .

قوله : "قال : وأحسبه" أي : قال أبو هريرة وأحسب عمر قال في ثياب ورداء ، ( فإن قلت ) : كيف يدخل حرف العطف بين قوله ومقوله ؟ ( قلت ) هو عطف على مقدر تقديره : بقي شيء من الصور المذكورة ، وأحسبه قال : في تبان ورداء .

( فإن قلت ) : كيف لم يجزم به أبو هريرة بل ذكره بالحسبان ؟ ( قلت ) لإمكان أن عمر أهمل ذلك لأن التبان لا يستر العورة كلها بناء على أن الفخذ من العورة ، فالستر به حاصل مع القباء ، ومع القميص ، وأما الرداء فقد لا يحصل ، ورأى أبو هريرة أن انحصار القسمة يقتضي ذكر هذه الصور ، وأن الستر قد يحصل بها إذا كان الرداء سابغا ، وقال ابن بطال : اللازم من الثياب في الصلاة ثوب واحد ساتر للعورة ، وقول عمر رضي الله تعالى عنه : إذا وسع الله يدل عليه ، وجمع الثياب فيها اختيار ، واستحسان ، ويقال : ذكر صورا تسعا ، ثلاثة منها سابغة : الرداء ثم القميص ثم القباء ، وثلاثة ناقصة : الإزار ثم السراويل ثم التبان ، وأفضلها الإزار ثم السراويل ، ومنهم من عكس ، واختلف أصحاب مالك فيمن صلى في سراويل ، وهو قادر على الثياب ففي المدونة : لا يعيد في الوقت ، ولا في غيره ، وعن ابن القاسم مثله ، وعن أشهب : عليه الإعادة في الوقت ، وعنه أن صلاته تامة إن كان ضيقا ، وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : "نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يصلي في لحاف ، ولا يوشح به" ، والآخر أن تصلي في سراويل ليس عليك رداء ، وبظاهره أخذ بعض أصحابنا ، وقال : تكره الصلاة في السراويل وحدها ، والصحيح أنه إذا ستر عورته لا تكره الصلاة فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية