صفحة جزء
39 (باب الدين يسر)


الكلام فيه من وجوه، الأول أن لفظة " باب " خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى الجملة، أعني قوله " الدين يسر "، فإن قوله " الدين " مرفوع بالابتداء و " يسر " خبره.

الثاني: وجه المناسبة بين البابين من حيث وجود معنى اليسر في صوم رمضان، وذلك أن صوم رمضان يجوز تأخيره عن وقته للمسافر والمريض بخلاف الصلاة، ويجوز تركه بالكلية في حق الشيخ الفاني مع إعطاء الفدية بخلاف الصلاة، وهذا عين اليسر، وأيضا فإنه شهر واحد في كل اثني عشر شهرا، والصلاة في كل يوم [ ص: 235 ] وليلة خمس مرات، وهذا أيضا عين اليسر.

الثالث: قوله " يسر " أي ذو يسر، وذلك لأن الالتئام بين الموضوع والمحمول شرط، وفي مثل هذا لا يكون إلا بالتأويل أو الدين يسر أي عينه على سبيل المبالغة، فكأنه لشدة اليسر وكثرته نفس اليسر كما يقال أبو حنيفة فقه لكثرة فقهه كأنه صار عين الفقه، ومنه رجل عدل، واليسر بضم السين وسكونها نقيض العسر ومعناه التخفيف ثم كون هذا الدين يسرا يجوز أن يكون بالنسبة إلى ذاته ويجوز أن يكون بالنسبة إلى سائر الأديان، وهو الظاهر لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم كعدم جواز الصلاة في المسجد وعدم الطهارة بالتراب وقطع الثوب الذي يصيبه النجاسة وقبول التوبة بقتل أنفسهم ونحو ذلك، فإن الله تعالى من لطفه وكرمه رفع هذا عن هذه الأمة رحمة لهم; قال الله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج فإن قلت: ما الألف واللام في الدين؟ قلت: للعهد وهو دين الإسلام، وقال ابن بطال: المراد أن اسم الدين واقع على الأعمال لقوله " الدين يسر " ثم بين جهة اليسر في الحديث بقوله " سددوا "، وكلها أعمال، واليسر اللين والانقياد، فالدين الذي يوصف باليسر والشدة إنما هي الأعمال.

التالي السابق


الخدمات العلمية