صفحة جزء
380 53 - حدثنا آدم قال : حدثنا شعبة عنه الأعمش قال : سمعت إبراهيم يحدث عن همام بن الحارث قال : رأيت جرير بن عبد الله بال ، ثم توضأ ، ومسح على خفيه ، ثم قام فصلى فسئل ، فقال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا ، قال إبراهيم : فكان يعجبهم ؛ لأن جريرا كان من آخر من أسلم .
مطابقته للترجمة : في قوله : "ومسح على خفيه ثم قام فصلى " ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى وهو لابس خفيه ، إذ لو نزعهما بعد الغسل لوجب غسل رجليه ، ولو غسلهما لنقل في الحديث .

( ذكر رجاله ) وهم ستة : آدم بن أبي إياس ، وشعبة بن الحجاج ، وسليمان الأعمش ، وإبراهيم بن يزيد النخعي ، وهمام على وزن فعال بالفتح والتشديد ، كان من العباد مات في زمن الحجاج ، وجرير بفتح الجيم ابن عبد الله البجلي الصحابي رضي الله تعالى عنه .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، والتحديث بصيغة الإفراد من المضارع ، وفيه السماع [ ص: 120 ] في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول والرواية ، وفيه أن رواته ما بين بغدادي وكوفي ، وفيه ثلاثة من التابعين : الأعمش وإبراهيم وهمام يروي بعضهم عن بعض عن الصحابي .

( ذكر من أخرجه غيره ) : أخرجه مسلم في الطهارة عن إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم ، وعن يحيى بن يحيى ، وإسحاق ، وأبي كريب ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعن ابن أبي عمرو عن منجاب بن الحارث ، وأخرجه الترمذي فيه عن هناد عن وكيع ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة ، وفي الصلاة عن محمد بن عبد الأعلى ، وأخرجه ابن ماجه في الطهارة عن علي بن محمد الكل عن الأعمش عن إبراهيم به ، ومعنى حديثهم واحد ، وأخرجه أبو داود عن علي بن الحسين عن عبد الله بن داود عن بكير بن عامر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير "أن جريرا بال ثم توضأ فمسح على خفيه قال : ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ، قالوا : إنما كان ذلك قبل نزول المائدة . قال : ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة" ، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ربعي بن حراش عنه قال : " وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على خفيه بعدما نزلت سورة المائدة " ، ثم قال : لم يروه عن حماد بن أبي سليمان عن ربعي إلا ياسين الزيات تفرد به عبد الرزاق ، وياسين متكلم فيه ، وفي رواية له من حديث محمد بن سيرين عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فذهب النبي عليه الصلاة والسلام يتبرز فرجع فتوضأ ، ومسح على خفيه ، ثم قال : لم يروه عن محمد بن سيرين إلا خالد الحذاء ، ولا عن خالد إلا حارث بن شريح تفرد به سنان بن فروخ .

( ذكر معناه ) : قوله : "ثم قام فصلى" ظاهره أنه صلى في خفيه كما ذكرناه الآن . قوله : "فسئل" على صيغة المجهول أي : سئل جرير عن المسح على الخفين والصلاة فيهما ، وقد بين الطبراني في حديثه من طريق جعفر بن الحارث عن الأعمش أن السائل له عن ذلك هو همام بن الحارث المذكور ، وله من طريق زائدة عن الأعمش فعاب عليه ذلك رجل من القوم . قوله : "مثل هذا" أي : من المسح على خفيه ، والصلاة فيهما . قوله : "قال إبراهيم" أي : المذكور ، وهو النخعي . قوله : "فكان" أي : فكان حديث جرير يعجبهم أي : يعجب القوم ؛ لأنه من جملة الذين أسلموا في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أسلم في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش : كان يعجبهم هذا الحديث ، ومن طريق عيسى بن يونس : فكان أصحاب عبد الله بن مسعود يعجبهم . قوله : "من آخر من أسلم" ، وفي رواية مسلم : لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ، وفي رواية أبي داود : "إنما كان ذلك" أي : مسح النبي عليه الصلاة والسلام على الخفين بعد نزول المائدة ، فقال جرير : ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة ، وقد ذكرناه عن قريب ، وفي رواية الترمذي من طريق شهر بن حوشب "قال : رأيت جرير بن عبد الله" فذكر نحو حديث الباب قال : فقلت له : أقبل المائدة أم بعدها ؟ قال : ما أسلمت إلا بعد المائدة . قال الترمذي : هذا حديث مفسر ؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين كان قبل نزول آية الوضوء التي في المائدة فيكون منسوخا ، فذكر جرير في حديثه أنه رآه يمسح بعد نزول المائدة ، فكان أصحاب ابن مسعود يعجبهم حديث جرير ؛ لأن فيه ردا على أصحاب التأويل المذكور ، ( قلت ) قال الله تعالى في سورة المائدة : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق الآية ، فلو كان إسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخا بآية المائدة ، فلما كان إسلامه متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به ، وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف ، فتكون السنة مخصصة للآية ، وفي سنن البيهقي عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه قال : ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير رضي الله عنه ، وقد ورد مؤرخا بحجة الوداع في حديث الطبراني كما ذكرناه .

واعلم أنه وردت في المسح على الخفين عدة أحاديث تبلغ التواتر على رأي كثير من العلماء ، قال الميموني عن أحمد : فيها سبعة وثلاثون صحابيا ، وفي رواية الحسن بن محمد عنه أربعون كذا قاله البزار في مسنده ، وقال ابن أبي حاتم : أحد وأربعون صحابيا ، وفي الأشراف عن الحسن : حدثني به سبعون صحابيا ، وقال ابن عبد البر : مسح على الخفين سائر أهل بدر والحديبية وغيرهم من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وعامة أهل العلم والأثر ، ولا ينكره إلا مخذول مبتدع خارج عن جماعة المسلمين ، وفي البدائع : المسح على الخفين جائز عند عامة الفقهاء وعامة الصحابة إلا ما روي عن ابن عباس أنه لا يجوز ، وهو قول الرافضة ، ثم قال : روي عن الحسن البصري أنه قال [ ص: 121 ] أدركت سبعين بدريا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم كلهم يرون المسح على الخفين ، ولهذا رآه أبو حنيفة من شرائط السنة والجماعة ، فقال : منها أن تفضل الشيخين ، وتحب الختنين ، وترى المسح على الخفين ، وأن لا تحرم نبيذ الجر يعني المثلث ، وروي عنه أنه قال : ما قلت بالمسح حتى جاءني مثل ضوء النهار ، فكان الجحود ردا على كبار الصحابة ، ونسبته إياهم إلى الخطأ فكان بدعة ، ولهذا قال الكرخي : أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين .

( ذكر ما يستنبط منه ) : فيه جواز البول بمشهد الرجل ، وإن كانت السنة الاستتار عنه ، وفيه المسح على الخفين جائز ، وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب المسح على الخفين ، وفيه الإعجاب ببقاء حكم من الأحكام ، وهو يدل على عدم النسخ ، وقال ابن بطال : وهذا الباب كالباب الذي قبله في أن الخف لو كان فيه قذر فحكمه حكم النعل . .

التالي السابق


الخدمات العلمية