صفحة جزء
383 56 - أخبرنا يحيى بن بكير قال : حدثنا بكر بن مضر ، عن جعفر ، عن ابن هرمز ، عن عبد الله بن مالك بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه .
مطابقة هذا الحديث للترجمة : في قوله : "كان إذا صلى" لأن المراد من قوله : صلى سجد من قبيل إطلاق الكل وإرادة الجزء ، وإذا فرج بين يديه لا بد من إبداء ضبعيه والمجافاة .

( ذكر رجاله ) وهم خمسة : يحيى بن بكير بضم الباء الموحدة ، وبكر بفتح الباء الموحدة ابن مضر بضم الميم ، وفتح الضاد المعجمة ، وروي غير منصرف للعلمية والعدل مثل عمر ، وقال الكرماني : أما باعتبار العجمة ( قلت ) هذا بعيد ؛ لأنه لفظ عربي خالص من مضر اللبن يمضر مضورا ، وهو الذي يحذي اللسان قبل أن يروب ، وقال أبو عبيد : قال أبو الوليد : اسم مضر مشتق منه ، وهو مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، وجعفر هو ابن ربيعة بن شرحبيل المصري توفي سنة خمس وثلاثين ومائة ، وابن هرمز بضم الهاء والميم هو عبد الرحمن الأعرج المشهور بالرواية عن أبي هريرة ، وعبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف ، وسكون الشين المعجمة ، وبالباء الموحدة الأزدي ، وبحينة بضم الباء الموحدة ، وفتح الحاء المهملة ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفتح النون ، وهو اسم أم عبد الله فهو منسوب إلى الوالدين ، أسلم قديما ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ناسكا فاضلا يصوم الدهر ، مات زمن معاوية ، وقال النووي : الصواب فيه أن ينون مالك [ ص: 123 ] ويكتب ابن بالألف ؛ لأن ابن بحينة ليس صفة لمالك بل صفة لعبد الله اسم أبيه مالك ، واسم أمه بحينة فبحينة امرأة مالك ، وأم عبد الله فليس الابن واقعا بين علمين متناسبين .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه أن رواته ما بين مصري ومدني .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم عن قتيبة عن بكر بن مضر ، وأخرجه مسلم في الصلاة عن قتيبة به ، وعن عمرو بن سواد عن ابن وهب ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به .

( ذكر معناه وما اختلف من ألفاظه ) : قوله : "فرج بين يديه" معناه فرج بين يديه وجنبيه ، وفرج الله الغم بالتشديد والتخفيف ، وهو من باب ضرب يضرب ، وهو لفظ مشترك بين الفرج العورة والثغر وموضع المخافة ، والحكمة فيه أنه أشبه بالتواضع ، وأبلغ في تمكين الجبهة من الأرض ، وأبعد من هيئات الكسالى . قوله : بين يديه على حقيقته يعني قدامه ، وأراد ببعد قدامه من الأرض حتى يبدو بياض إبطيه ، ويؤيد هذا ما في رواية مسلم : "إذا سجد يجنح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه" ، وفي رواية الليث : "كان إذا سجد فرج يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه" ، وعنده أيضا من حديث ميمونة : "كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت" ، وفي رواية : "خوى بيديه" يعني جنح "حتى يرى وضح إبطيه من ورائه" ، وعند الترمذي محسنا ، وعند الحاكم مصححا عن عبد الله بن أقرم فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه صلى الله عليه وسلم إذا سجد ، وعند الحاكم مصححا عن ابن عباس " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ قد فرج يديه " ، وعند الدارقطني ملزما للبخاري تخريجه عن أحمد بن جزء أنه قال : "كنا لنأوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يجافي مرفقيه عن جنبيه إذا سجد" ، وعند أحمد وصححه أبو زرعة الرازي ، وابن خزيمة عن جابر " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه " ، وعند ابن خزيمة عن عدي بن عميرة "كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا سجد يرى بياض إبطيه ، وفي صحيح ابن خزيمة أيضا عن البراء : "كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا سجد جنح" ، وعند الحاكم على شرطهما عن أبي هريرة "إذا سجد يرى وضح إبطيه" ، وعند مسلم من حديث أبي حميد في عشرة من الصحابة : "إذا سجد جافى بين يديه" ، وعند أبي داود عن أبي مسعود ووصف صلاته صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفيه : "ثم جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه" .

قوله : "يجنح" من التجنيح ، وهو أن يرفع ساعديه في السجود عن الأرض فيصيران له مثل جناحي الطير فكذلك التجنح . قوله : "وضح إبطيه" أي : بياضهما ، وهو بفتح الواو ، والضاد المعجمة . قوله : "بهمة" بفتح الباء الموحدة قال الجوهري : البهمة من أولاد الضأن خاصة ، وتطلق على الذكر والأنثى ، والسخال أولاد المعزى ، وقال أبو عبيد وغيره : البهمة واحد البهم ، وهي أولاد الغنم من الذكور والإناث ، وجمع البهم البهام بكسر الباء ، وفي رواية الحاكم والطبراني : بهيمة بالصغير ، وقيل : هو الصواب ، وفتح الباء خطأ . قوله : "خوى" بالخاء المعجمة وتشديد الواو المفتوحة أي : جافى بطنه عن الأرض ورفعها ، وجافى عضديه عن جنبيه حتى يخوى ما بين ذلك . قوله : "مجخ" بضم الميم ، وكسر الجيم ، وبالخاء المعجمة المشددة من جخ بفتح الجيم ، والخاء المعجمة المشددة إذا فتح عضديه عن جنبيه ، ويروى جخي بالياء ، وهو أشهر ، وهو مثل جخ ، وقيل : كان إذا صلى جخ يعني تحول من مكان إلى مكان . قوله : "لنأوي" أي : نرق له ونرثي ، يقال : أويت الرجل آوى له إذا أصابه شيء فرثيت له ، والعفرة بضم العين المهملة ، وسكون الفاء البياض ، وزعم أبو نعيم في دلائل النبوة أن بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم من علامات نبوته .

( ذكر ما يستنبط منه ) : فيه التفريج بين يديه ، وهو سنة للرجال ، والمرأة والخنثى تضمان ؛ لأن المطلوب في حقهما الستر ، وحكي عن بعضهم أن السنة في حق النساء التربع ، وبعضهم خيرها بين الانفراج والانضمام ، وقال ابن بطال : وشرعت المجافاة في المرفق ليخف على الأرض ، ولا يثقل عليها كما روى أبو عبيدة عن عطاء أنه قال : خففوا على الأرض ، وفي المصنف ، وممن كان يجافي أنس بن مالك ، وأبو سعيد الخدري ، وقاله الحسن البصري ، وإبراهيم ، وعلي بن أبي طالب قال ، وممن رخص أن يعتمد المصلي بمرفقيه أبو ذر ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن سيرين ، وقيس بن سعد ، قال : وحدثنا ابن عيينة عن سمي عن النعمان [ ص: 124 ] ابن أبي عياش قال "شكونا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الإدغام والاعتماد في الصلاة فرخص لهم أن يستعين الرجل بمرفقيه على ركبتيه أو فخذيه" ، وعند الترمذي عن أبي هريرة : "أنه اشتكى أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مشقة السجود عليهم فقال : استعينوا بالركب" ، وروى أبو داود أيضا ، ولفظه : "اشتكى أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى النبي عليه الصلاة والسلام مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا ، فقال : استعينوا بالركب" ، وفي المصنف : حدثنا يزيد بن هارون عن ابن عون قال : "قلت لمحمد : الرجل يسجد إذا اعتمد بمرفقيه على ركبتيه . قال : ما أعلم به بأسا" حدثنا عاصم عن ابن جريج عن نافع قال : كان ابن عمر يضم يديه إلى جنبيه إذا سجد . حدثنا ابن نمير حدثنا الأعمش عن حبيب قال : "سأل رجل ابن عمر : أضع مرفقي على فخذي إذا سجدت ؟ فقال : اسجد كيف تيسر عليك" حدثنا وكيع عن أبيه عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن قيس بن السكن قال : كل ذلك قد كانوا يفعلون ويضمون ويتجافون كان بعضهم يضم ، وبعضهم يتجافى ، وفي الأم للشافعي : يسن للرجل أن يجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه ، وتضم المرأة بعضها إلى بعض ، وقال القرطبي : وحكم الفرائض والنوافل في هذا سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية