صفحة جزء
387 باب : قول الله تعالى : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
أي : هذا باب قول الله تعالى ، إنما بوب بهذه الآية الكريمة لأن فيها بيان القبلة على ما نذكره ، وهذا أيضا هو وجه المناسبة في ذكر هذا الباب بين هذه الأبواب المذكورة هاهنا المتعلقة بالقبلة وأحكامها .

قوله : واتخذوا بلفظ الأمر على القراءة المشهورة ، وقال الزمخشري : " واتخذوا " على إرادة القول ؛ أي : وقلنا : اتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه ، وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب . وقال غيره : وقرئ بلفظ الماضي عطفا على جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا

وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام ما هو ؟ فقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن شيبة النميري ، حدثنا أبو خلف - يعني عبد الله بن عيسى - حدثنا داود بن أبي هند ، عن مجاهد ، عن ابن عباس واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى قال مقام إبراهيم الحرم كله . وروي عن مجاهد وعطاء مثل ذلك ، وقال السدي : المقام الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم عليهما السلام حتى غسلت رأسه . حكاه القرطبي وضعفه ورجح غيره ، وحكاه الرازي في تفسيره عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن ابن جريج ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، سمع جابرا يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لما طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له عمر رضي الله تعالى عنه : هذا مقام أبينا إبراهيم عليه السلام ؟ قال : نعم . قال : أفلا نتخذه مصلى ؟ فأنزل الله عز وجل : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقال عثمان بن أبي شيبة : حدثنا أبو أسامة ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال : قال عمر : قلت : يا رسول الله ، هذا مقام خليل ربنا ؟ قال : نعم . قال : أفلا نتخذه مصلى ؟ فنزلت : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقال ابن مردويه : حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا غيلان بن عبد الصمد ، حدثنا مسروق بن المرزبان ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمر بن الخطاب أنه مر بمقام إبراهيم عليه السلام فقال : يا رسول الله ، أليس تقوم مقام خليل الله ؟ قال : بلى . قال : أفلا نتخذه مصلى ؟ فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وحكى ابن بطال عن ابن عباس أنه قال : الحج كله مقام إبراهيم . وقال مجاهد : الحرم كله مقام إبراهيم . وروى عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عنه قال : هو عرفة وجمع ومنى . وقال عطاء : مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار .

واختلفوا في قوله : مصلى ؛ فقال مجاهد : مدعى ؛ كأنه أخذه من صليت بمعنى دعوت . وقال الحسن : قبلة . وقال السدي وقتادة : أمروا أن يصلوا عنده ، ولا شك أن من صلى إلى الكعبة من غير الجهات الثلاث التي لا تقابل مقام إبراهيم فقد أدى فرضه ، فالفرض إذا البيت لا المقام ، وقد صلى الشارع خارجها وقال : هذه القبلة ، ولم يستقبل المقام حين صلى داخلها ثم استقبل المقام ، فإن المقام إنما يكون قبلة إذا جعله المصلي بينه وبين القبلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية