صفحة جزء
390 63 - حدثنا عبد الله بن رجاء قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة [ ص: 135 ] عشر شهرا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يوجه إلى الكعبة ، فأنزل الله عز وجل : قد نرى تقلب وجهك في السماء فتوجه نحو الكعبة ، وقال السفهاء من الناس وهم اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل ثم خرج بعدما صلى ، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال : هو يشهد أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه توجه نحو الكعبة ، فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة .
مطابقته للترجمة في قوله ( فتوجه نحو الكعبة التي استقرت قبلة أبدا ) في أي حالة كان المصلي صلاة الفرض .

( ذكر رجاله ) : وهم أربعة ؛ الأول : عبد الله بن رجاء - بتخفيف الجيم - الغداني بضم الغين المعجمة . الثاني : إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق . الثالث : أبو إسحاق السبيعي ، جد إسرائيل ، واسمه عمرو بن عبد الله الكوفي . الرابع : البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه أن رواته ما بين بصري وكوفي .

( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في باب : الصلاة من الإيمان عن عمرو بن خالد عن زهير عن أبي إسحاق عن البراء ، وأخرجه في التفسير أيضا عن أبي نعيم وعن محمد بن المثنى ، وفي خبر الواحد عن يحيى عن وكيع . وأخرجه مسلم في الصلاة عن محمد بن المثنى وأبي بكر بن خلاد ، وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقد ذكرنا جميع ذلك في باب : الصلاة من الإيمان .

( ذكر معناه ) : قوله ( صلى نحو بيت المقدس ) ؛ أي : بالمدينة صلى جهة بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، فالشك من البراء ، وكذا وقع الشك عند البخاري في رواية زهير وأبي نعيم ، ورواه أبو عوانة في صحيحه من رواية أبي نعيم فقال : " ستة عشر " من غير شك ، وكذا في رواية مسلم رواية الأحوص ، والنسائي من رواية زكريا بن أبي زائدة ، ووقع في رواية أحمد والطبراني عن ابن عباس سبعة عشر ، ونص النووي على صحة ستة عشر والقاضي على صحة سبعة عشر ، وهو قول أبي إسحاق وابن المسيب ومالك بن أنس ، والجمع بينهما أن من جزم بستة عشر أخذ من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا وألغى الأيام الزائدة فيه ، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معا ، ومن شك تردد فيهما ؛ وذلك أن قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف ، وكان التحويل في نصف شهر رجب في السنة الثانية على الصحيح ، وبه جزم الجمهور .

وجاءت فيه روايات أخرى ، ففي سنن أبي داود وابن ماجه ثمانية عشر شهرا ، وحكى المحب الطبري ثلاثة عشر شهرا ، وفي رواية أخرى سنتين ، وأغرب منهما تسعة أشهر وعشرة أشهر وهما شاذان .

قوله ( أن يوجه ) على صيغة المجهول .

قوله ( وصلى مع النبي - عليه الصلاة والسلام - رجل ) واسمه عباد بن بشر ، قاله ابن بشكوال ، وقال أبو عمر : عباد بن نهيك بفتح النون وكسر الهاء ، ووقع في رواية المستملي والحموي : " فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجال " ؛ بالجمع ، وقال الكرماني : فعلى هذه الرواية إلى ما يرجع الضمير في قوله : ثم خرج .

قلت : إلى ما دل عليه رجال وهو مفرد ، أو معناه ثم خرج خارج . قلت : معناه على هذا : ثم خرج خارج منهم ، فيكون الفاعل محذوفا .

قوله ( بعدما صلى ) ، كلمة " ما " إما مصدرية وإما موصولة .

قوله ( في صلاة العصر نحو بيت المقدس ) ، كذا هو في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني : في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس ؛ أي : جهته .

قوله : ( فقال ) ؛ أي : الرجل .

قوله ( هو يشهد ) أراد به نفسه ، ولكن عبر عنها بلفظ الغيبة على سبيل التجريد أو على طريقة الالتفات ، أو نقل كلامه بالمعنى ، ويؤيده الرواية المذكورة في باب الإيمان من الصلاة بلفظ : أشهد ، ووقع هنا : صلاة العصر ، وجاء في رواية أخرى عن ابن عمر في البخاري ومسلم والنسائي : صلاة الصبح ، والتوفيق بينهما أن هذا الخبر وصل إلى قوم كانوا يصلون في نفس المدينة صلاة العصر ثم وصل إلى أهل قبا في صبح اليوم الثاني ؛ لأنهم [ ص: 136 ] كانوا خارجين عن المدينة لأن قبا من جملة سوادها وفي حكم رساتيقها ، وقد استقصينا الكلام فيه في باب : الصلاة من الإيمان .

( ذكر ما يستنبط منه ) : فيه جواز نسخ الأحكام عند الجمهور إلا طائفة لا يقولون به ولا يعبأ بهم ، وفيه الدليل على نسخ السنة بالقرآن عند الجمهور وللشافعي فيه قولان ، وفيه دليل على قبول خبر الواحد ، وفيه وجوب الصلاة إلى القبلة ، والإجماع على أنها الكعبة ، وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين ، وفيه أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه .

وفي هذا الباب أبحاث طويلة ، فمن أراد الوقوف عليها فعليه بالمراجعة إلى ما ذكرنا في شرح باب : الصلاة من الإيمان . .

التالي السابق


الخدمات العلمية