صفحة جزء
394 باب : ما جاء في القبلة ومن لا يرى الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة
أي : هذا باب في بيان ما جاء في أمر القبلة ، وهو بخلاف ما تقدم قبل هذا الباب ، فإن ذاك في حكم التوجه إلى القبلة وهذا في حكم من سها فصلى إلى غير القبلة ، وأشار إلى حكم هذا بقوله : ومن لم ير الإعادة . . . إلى آخره ، وهذا باب فيه الخلاف ، وهو أن الرجل إذا اجتهد في القبلة فصلى إلى غيرها فهل يعيد أم لا ؟ فقال إبراهيم النخعي والشعبي وعطاء وسعيد بن المسيب وحماد : لا يعيد ، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه ، وإليه ذهب البخاري ، وعن مالك كذلك ، وعنه : يعيد في الوقت استحسانا . وقال ابن المنذر : وهو قول الحسن والزهري . وقال المغيرة : يعيد أبدا . وعن حميد بن عبد الرحمن وطاوس والزهري : يعيد في الوقت . وقال الشافعي : إن فرغ من صلاته ثم بان له أنه صلى إلى المغرب استأنف الصلاة ، وإن لم يبن له ذلك إلا باجتهاده فلا إعادة عليه . وفي التوضيح : وقال الشافعي : إن لم يتيقن الخطأ فلا إعادة عليه ، وإلا أعاد . وروى الترمذي وابن ماجه من حديث أنه قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة ، فصليناه وأعلمنا ، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة ، فذكرنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى : فأينما تولوا فثم وجه الله . وروى البيهقي في المعرفة من حديث جابر أنهم صلوا في ليلة مظلمة كل رجل منهم على حياله ، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : مضت صلاتكم ، ونزلت : فأينما تولوا فثم وجه الله . ويحتج بهذين الحديثين لما ذهب إليه أبو حنيفة ومن تبعه في المسألة المذكورة ، ( فإن قلت ) : قال الترمذي : ليس إسناده بذاك ، وقال البيهقي : حديث جابر ضعيف - قلت : روي حديث جابر من ثلاث طرق ؛ إحداها أخرجه الحاكم في المستدرك عن محمد بن سالم عن عطاء بن أبي رباح عنه ، ثم قال : هذا حديث صحيح ، ومحمد بن سالم لا أعرفه بعدالة ولا جرح . وقال الواحدي : مذهب ابن عمران : الآية نازلة في التطوع بالنافلة ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لما توفي النجاشي جاء جبريل عليه السلام إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقال : إن النجاشي توفي فصل عليه . فقال الصحابة في أنفسهم : كيف نصلي على رجل مات ولم يصل إلى قبلتنا ؟ وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس إلى أن مات ، فنزلت الآية . وقال قتادة : هذه الآية منسوخة بقوله : الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وهي رواية عن ابن عباس . قوله : ( ومن لم ير الإعادة ) ، وفي بعض النسخ : " ومن لم يرى الإعادة " ، وهو عطف على قوله : " في القبلة " ؛ أي : وباب : ما جاء فيمن لا يرى إعادة الصلاة على من سها فصلى إلى غير القبلة . وقال الكرماني : " فصلى " تفسير لقوله : " سها " والفاء تفسيرية . قلت : وفيه بعد ، والأولى أن تكون للسببية كما في قوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ولو قال بالواو لكان أحسن على ما لا يخفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية