صفحة جزء
400 ( قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن وطئت على قذر رطب فاغسله ، وإن كان يابسا فلا ) .
قال بعضهم : مطابقته للترجمة الإشارة إلى أن العلة في النهي احترام القبلة لا مجرد التأذي بالبزاق ، فلهذا لم يفرق فيه بين رطب ويابس بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار ، فلا يضر وطء اليابس منه . قلت : هذا تعسف وبعد عظيم ؛ لأن قوله : " العلة في النهي احترام القبلة لا مجرد التأذي بالبزاق " غير موجه ، لأن علة النهي فيه احترام القبلة وحصول التأذي منه كما ذكره في حديث أبي سهلة : " إنك آذيت الله ورسوله " ، وحصول الأذى فيه هو ما ذكره في الحديث : " فإن الله قبل وجهه إذا صلى " ، وبزاقه إلى تلك الجهة أذى كبير وهو من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم ، ومعناه : لا يرضى الله به ، ولا يرضى به رسوله أيضا ، وتأذيه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك هو أنه نهاه عنه ولم ينته ، وفيه ما فيه من الأذى ، فعلم من ذلك أن العلة العظمى هي حصول الأذى مع ترك احترام القبلة ، والحكم يثبت بعلل شتى . وقوله : " بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار ، فلا يضره وطء اليابس " غير صحيح ؛ لأن علة النهي فيه كونه نجسا ولم تسقط عنه صفة النجاسة ، غير أن وطء يابسه لا يضره لعدم التصاقه بالجسم وعدم التلوث لا لمجرد كونه يابسا ، حتى لو صلى على مكان عليه نجس يابس لا تجوز صلاته ، ولو كان على بدنه أو ثوبه نجاسة يابسة لا يجوز أيضا ، فعلم أن النجاسة المائعة تضره مطلقا غير أنه عفا عن يابسها في الوطء ، ويمكن أن يوجه له تناسب بوجهه وهو أن يقال : المذكور في حديث الباب حك النخامة بالحصى ، وفي الترجمة حك المخاط بالحصى ، وذا يدل على أنه كان يابسا إذ الحك لا يفيد في رطبه لأنه ينتشر به ويزداد التلوث ، فظهر الفرق بين رطبه ويابسه وإن لم يصرح به في ظاهر الحديث ، ففي الرطب يزال بما تمكن إزالته به ، وفي اليابس بالحصاة ونحوها ، فكذلك في أثر ابن عباس الفرق حيث قال : إن كان رطبا فاغسله ، وإن كان يابسا فلا ؛ أي : فلا يضرك وطؤه ، فتكون المناسبة بينهما من هذه الحيثية ، وهذا القدر كاف لأنه إقناعي غير برهاني ، ثم إن أثر ابن عباس ذكره البخاري معلقا ووصله ابن أبي شيبة بسند صحيح ، وقال في آخره : وإن كان يابسا لم يضره .

التالي السابق


الخدمات العلمية