صفحة جزء
4421 باب قوله كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين


هذا باب في قوله تعالى : كشجرة طيبة وليس في أكثر النسخ لفظ باب ، وفي رواية أبي ذر إلى قوله : "ثابت" ، وفي رواية غيره إلى "حين" ، الكلام أولا في وجه التشبيه بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة ، وبيانه موقوف على تفسير الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة ، فالكلمة الطيبة شهادة أن لا إله إلا الله ، نقل ذلك عن ابن عباس ، وهو قول الجمهور ، والشجرة الطيبة فيها أقوال فقيل : كل شجرة طيبة مثمرة ، وقيل : النخلة ، وقيل : الجنة وقيل : شجرة في الجنة ، وقيل : المؤمن ، وقيل : قريش ، وقيل : جوز الهند ، وأما بيان وجه التشبيه على القول الأول فهو من حيث الحسن والزهارة والطيب والمنافع الحاصلة في كل واحدة من كلمة الشهادة ، والشجرة الطيبة المثمرة ، وأما على القول الثاني وهو الذي عليه الجمهور فهو من حيث كثرة الخير في العاجل والآجل وحسن المنظر والشكل الموجود في كل واحد من كلمة الشهادة والنخلة ، فإن كثرة الخير في العاجل والآجل مستمرة في صاحب كلمة الشهادة ، وكذلك حسن المنظر والشكل ، وفي النخلة كذلك فإنها كثيرة الخير وطيبة الثمرة من حين تطلع يؤكل منها حتى تيبس فإذا يبست يتخذ منها منافع كثيرة من خشبها وأغصانها وورقها ونواها ، وقيل : وجه التشبيه أن رأسها إذا قطع ماتت بخلاف باقي الشجر ، وقيل : لأنها لا تحمل حتى تلقح ، وقيل : إنها فضلة طينة آدم عليه الصلاة والسلام على ما روي ، وقيل : في علو فروعها كارتفاع عمل المؤمن ، وقيل : لأنها شديدة الثبوت كثبوت الإيمان في قلب المؤمن ، وأما على القول الثالث أنها شجرة في الجنة رواه أبو ظبيان عن ابن عباس فهو من حيث الدوام والثبوت على ما لا يخفى ، وأما على القول الرابع فهو من حيث ارتفاع عمل المؤمن الصالح في كل وقت ، ووجود ثمرة النخلة في كل حين ، وأما على القول الخامس فهو من حيث ارتفاع القدر في كل واحد من قريش والنخلة أما قريش فلا شك أن قدرهم مرتفع على سائر قبائل العرب ، وأما النخلة فكذلك على سائر الأشجار من الوجوه التي ذكرناها ، وأما على القول السادس الذي هو جوز الهند [ ص: 5 ] فهو من حيث إنه لا يتعطل من ثمره على ما رواه ابن مردويه من حديث فروة بن السائب عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس في قوله تؤتي أكلها كل حين قال هي شجر جوز الهند لا يتعطل من ثمره ، تحمل في كل شهر ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيضا قال السهيلي : ولا يصح ، وكذلك المؤمن الذي هو صاحب كلمة الشهادة لا يتعطل من عمله الصالح ، قوله أصلها ثابت أي في الأرض وفرعها في السماء يعني في العلو ، فإذا كان أصلها ثابتا أمن الانقطاع لأن الطيب إذا كان في معرض الانقراض حصل بسبب فنائه وزواله الحزن ، فإذا علم أنه باق عظم الفرح بوجدانه ، وإذا كان فرعها في السماء دل على كمالها من وجهين : الأول : ارتفاع أغصانها وقوتها وتصعدها يدل على ثبوت أصلها ورسوخ عروقها ، الثاني : إذا كانت مرتفعة كانت بعيدة عن عفونات الأرض فكانت ثمرتها نقية طاهرة من جميع الشوائب ، قوله : تؤتي " أي تعطي أكلها " أي ثمرها كل حين " اختلفوا فيه ، فقال مجاهد ، وعكرمة ، وابن زيد : كل سنة ، وعن ابن عباس : الحين حينان حين يعرف ويدرك ، وحين لا يعرف ، فالأول : قوله ولتعلمن نبأه بعد حين والثاني قوله تؤتي أكلها كل حين فهو ما بين العام إلى العام المقبل ، وقال سعيد بن جبير ، وقتادة : الحين كل ستة أشهر ما بين صرامها إلى حملها ، وقال الربيع بن أنس : كل حين كل غدوة وعشية كذلك يصعد عمل المؤمن أول النهار وآخره ، وهي رواية عن ابن عباس أيضا ، وقال الضحاك : الحين ساعة ليلا ونهارا صيفا وشتاء يؤكل في جميع الأوقات كذلك المؤمن لا يخلو من الخير في الأوقات كلها ، فإن قلت : قد بينت وجه التشبيه بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة ، فما الحكمة بالتمثيل بالشجرة ؟ قلت : لأن الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ ، وأصل قائم ، وفرع عال ، فكذلك الإيمان لا يقوم ولا يثمر إلا بثلاثة أشياء تصديق بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأبدان .

التالي السابق


الخدمات العلمية