صفحة جزء
4444 باب ويسألونك عن الروح


أي هذا باب في قوله عز وجل : ويسألونك عن الروح قال الزمخشري : الأكثر على أن الذي سألوه عنه هو حقيقة الروح ، فأخبر أنه من أمر الله أي مما استأثر بعلمه ، وعن أبي بريدة مضى صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح ، وعن ابن عباس قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا عن الروح وكيف يعذب ، وإنما هي من الله ، ولم يكن نزل عليه فيه شيء فلم يحر إليهم جوابا ، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الآية ، وقال الأشعري : هو النفس الداخل من الخارج ، قال : وقيل هو جسم لطيف يشارك الأجسام الظاهرة والأعضاء الظاهرة ، وقال بعضهم : لا يعلمها إلا الله تعالى ، وقال الجمهور : هي معلومة ، وقيل : هي الدم ، وقيل : هي نور من نور الله وحياة من حياته ، وقيل : هي أمر من أمر الله عز وجل أخفى حقيقتها وعلمها على الخلق ، وقيل : هي روحانية خلقت من الملكوت ، فإذا صفت رجعت إلى الملكوت ، وقيل : الروح روحان روح اللاهوتية ، وروح الناسوتية ، وقيل : الروح نورية ، وروحانية ، وملكوتية إذا كانت صافية ، وقيل : الروح لاهوتية ، والنفس أرضية طينية نارية ، وقيل : الروح استنشاق الهواء ، وقالت عامة المعتزلة : إنها عرض ، وأغرب ابن الراوندي فقال : إنها جسم لطيف يسكن البدن ، وقال الواقدي : المختار أنه جسم لطيف توجد به الحياة ، وقيل : الأرواح على صور الخلق لها أيد ، وأرجل ، وسمع ، وبصر .

ثم اعلم أن أرواح الخلق كلها مخلوقة ، وهو مذهب أهل السنة ، والجماعة ، والأثر ، واختلفوا هل تموت بموت الأبدان والأنفس ، أو لا تموت ؟ فقالت طائفة : لا تموت ولا تبلى ، وقال بعضهم : تموت ولا تبلى ، وتبلى الأبدان ، وقيل : الأرواح تعذب كما تعذب الأجسام ، وقال بعضهم : تعذب الأرواح ، والأبدان جميعا ، وكذلك تنعم ، وقال بعضهم : الأرواح تبعث يوم القيامة لأنها من حكم السماء ، ولا تبعث الأبدان لأنها من الأرض خلقت ، وهذا مخالف للكتاب والأثر وأقوال الصحابة والتابعين ، وقال بعضهم : تبعث الأرواح يوم القيامة ، وينشئ الله عز وجل لها أجساما من الجنة ، وهذا أيضا مخالف لما ذكرنا ، واختلفوا أيضا في الروح والنفس فقال أهل الأثر : الروح غير النفس ، وقوام النفس بالروح ، والنفس تريد الدنيا ، والروح تدعو إلى الآخرة ، وتؤثرها ، وقد جعل الهوى تبعا للنفس والشيطان مع النفس والهوى ، والملك مع العقل والروح ، وقيل : الأرواح تتناسخ وتنتقل من جسم إلى جسم ، وهذا فاسد ، وهو شر الأقاويل ، وقال الثعلبي : اختلفوا في تفسير الروح المسئول عنه في الآية ما هو ؟ فقال الحسن ، وقتادة : هو جبريل عليه الصلاة والسلام ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف رأس في كل رأس سبعون ألف وجه ، لكل وجه منها سبعون ألف فم ، في كل فم سبعون ألف لسان ، لكل لسان منها سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها ، يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الروح ضرب من الملائكة خلق الله ، صورهم على صور بني آدم ، لهم أيد ، وأرجل ، ورؤوس ، وكذا روي عن مجاهد ، وأبي صالح ، والأعمش ، وذكر أبو إسحاق الثعلبي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفا عليه قال : الروح ملك عظيم أعظم من السماوات والأرض والجبال والملائكة ، وهو في السماء الرابعة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق من كل تسبيحة ملك يجيء يوم القيامة صفا واحدا وحده والملائكة بأسرهم يجيئون صفا ، وقيل : المراد به بنو آدم ، قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وعن ابن عباس : هو الذي ينزل ليلة القدر زعيم الملائكة ، وبيده لواء طوله ألف عام ، فيغرزه على ظهر الكعبة ، ولو أذن الله له أن يلتقم السماوات والأرض لفعل .

وعن سعيد بن جبير لم يخلق الله خلقا أعظم من الروح ، ومن عظمته لو أراد أن يبلع السماوات السبع والأرضين السبع ، ومن فيهما لقمة واحدة لفعل ، صورة خلقه على صورة الملائكة ، وصورة وجهه على صورة وجه الآدميين ، فيقوم يوم القيامة عن يمين العرش ، والملائكة معه في صفه ، وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى اليوم عند الحجب السبعين ، وهو ممن يشفع لأهل التوحيد ، ولولا أن [ ص: 34 ] بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحترق أهل السماوات من نوره ، وقال قوم : هو المركب في الخلق الذي بفقده فناؤهم ، وبوجوده بقاؤهم ، وقال بعضهم : أراد بالروح القرآن ، وذلك أن المشركين قالوا : يا محمد ، من أتاك بهذا القرآن ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وبين أنه من عنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية