صفحة جزء
4552 325 - ( حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان ، قال : حدثني معاوية ابن أبي مزرد ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خلق الله الخلق ، فلما فرغ منه قامت الرحم ، فأخذت بحقو الرحمن ، فقال له : مه ، قالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ، قالت : بلى يا رب ، قال : فذاك ، قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) .


مطابقته للترجمة ظاهرة ، وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام وبالخاء المعجمة بينهما الكوفي ، وسليمان هو ابن بلال ، ومعاوية ابن أبي مزرد بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء المشددة وبالدال المهملة ، واسمه عبد الرحمن بن يسار أخو سعيد بن يسار ، ضد اليمين ، يروي معاوية عن عمه سعيد بن يسار .

والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن إسماعيل بن أويس ، وفيه : عن إبراهيم بن حمزة ، وفيه وفي الأدب عن بشر بن محمد ، وأخرجه مسلم في الأدب عن قتيبة ، ومحمد بن عباد ، وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد ابن أبي حاتم .

قوله : " فلما فرغ منه " أي فلما قضاه وأتمه ، قوله : " قامت الرحم " أي القرابة مشتقة من الرحمة ، وهي عرض جعلت في جسم ، فلذلك قامت وتكلمت ، وقال القاضي : يجوز أن يكون المراد قيام ملك من الملائكة ، وتعلق بالعرش ، وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله تعالى ، وقال الطيبي : الرحم التي توصل وتقطع إنما هي معنى من المعاني ، والمعاني لا يتأتى فيها القيام ولا الكلام ، فيكون المراد تعظيم شأنها وفضيلة واصلها ، وعظم إثم قاطعيها ، قوله : " فأخذت " في رواية الأكثرين : بلا ذكره مفعوله ، وفي رواية ابن السكن : فأخذت بحقو الرحمن ، وفي رواية الطبري : بحقوي الرحمن بالتثنية ، وقال الطيبي : التثنية فيه للتأكيد ; لأن الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ بيد واحدة ، والحقو بالفتح الحاء المهملة وسكون القاف وبالواو : الإزار والخصر ومشد الإزار ، وقال عياض : الحقو معقد الإزار ، وهو الموضع الذي يستجار به ويتحرم به على عادة العرب لأنه من أحق ما يحامى عنه ويدفع ، كما قالوا : نمنعه مما يمنع منه أزرنا ، فاستعير ذلك مجازا للرحم في استعاذتها بالله من القطيعة ، وقال [ ص: 173 ] الطيبي : هذا القول مبني على الاستعارة التمثيلية ، كأنه شبه حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب عنها ، بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به، ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام ، فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة ، ثم رشحت الاستعارة بالقول والأخذ وبلفظ الحقو ، فهو استعارة أخرى ، قوله : " فقال له مه " أي فقال الرحمن للرحم : مه ، أي اكفف ، ويقال ما تقول على الزجر والاستفهام ، وهاهنا إن كان على الزجر فبين ، وإن كان على الاستفهام فالمراد منه الأمر بإظهار الحاجة دون الاستعلام ، فإنه يعلم السر وأخفى ، وقالت النحاة : مه اسم فعل معناه الزجر أي اكفف وانزجر ، وقال ابن مالك : هي هنا ما الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت ، قوله : " هذا مقام العائذ " بالذال المعجمة ، وهو المعتصم بالشيء المستجير به ، قوله : " هذا " إشارة إلى المقام معناه : قيامي هذا قيام العائذ بك ، وهذا أيضا مجاز للمعنى المعقول إلى المثال المحسوس المعتاد بينهم ليكون أقرب إلى فهمهم وأمكن في نفوسهم ، قوله : " أن أصل من وصلك " وحقيقة الصلة العطف والرحمة ، وهي فضل الله على عباده لطفا بهم ، ورحمته إياهم ، ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة ، وقطعها معصية كبيرة ، والأحاديث في الباب تشهد لذلك ، ولكن للصلة درجات بعضها أرفع من بعض ، وأدناها ترك المهاجرة ، وصلتها بالكلام ولو بالسلام ، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة ، فمنها واجب ، ومنها مستحب ، ولو قصر عما قدر عليه فينبغي أن يسمى واصلا .

واختلف في الرحم التي يجب صلتها ، فقيل : هي كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرمت مناكحتها ، فعلى هذا لا يجب في بني الأعمام وبني الأخوال لجواز الجمع في النكاح ، دون المرأة وأختها وعمتها ، وقيل : بل هذا في كل ذي رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث محرما كان أو غيره ، قوله : " قال فذاك " إشارة إلى قوله : " ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك " أي ذاك لك ، كما جاء في رواية هكذا .

قوله : " قال أبو هريرة " إلى آخره ظاهره أنه موقوف ، ويأتي مرفوعا في الطريق الذي أخرجه عن إبراهيم بن حمزة عقيب هذا ، قوله : " فهل عسيتم " قرأه نافع بكسر السين والباقون بالفتح ، وقد حكى عبد الله بن المغفل أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها بكسر السين ، قوله : " إن توليتم " اختلف في معناه ، فالأكثرون على أنها من الولاية ، والمعنى : إن وليتم الحكم ، وقيل : بمعنى الإعراض ، والمعنى : لعلكم إن أعرضتم عن قبول الحق أن يقع منكم ما ذكر ، وقال الثعلبي : وعن المسيب بن شريك والفراء فهل عسيتم إن توليتم يعني إن وليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم ، نزلت في بني أمية وبني هاشم ، قوله : " وتقطعوا " قيل : من القطع ، وقيل : من التقطيع ، على التكثير لأجل الأرحام .

التالي السابق


الخدمات العلمية