صفحة جزء
458 129 - ( حدثنا علي بن عبد الله قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن قال : حدثني يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال : كنت قائما في المسجد فحصبني رجل فنظرت ، فإذا عمر بن الخطاب ، فقال : اذهب فأتني بهذين ، فجئته بهما ، قال : من أنتما ، أو من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف ، قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
مطابقته للترجمة في أحد احتماليها ، وهو المنع .

( ذكر رجاله ) : وهم خمسة : الأول : علي بن المديني ، وقد تكرر ذكره . الثاني : يحيى القطان كذلك . الثالث : الجعيد بضم الجيم وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره دال مهملة ، ويقال له : جعيد أيضا بدون الألف واللام ، ويقال له الجعد بدون التصغير ، وهو اسمه الأصلي ، وكذا وقع في رواية الإسماعيلي : الجعد بن عبد الرحمن بن أوس ، وهو ثقة ، روى له مسلم حديثا واحدا عن السائب . الرابع : يزيد بفتح الياء آخر الحروف ، وكسر الزاي أبو خصيفة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف ، وبالفاء ابن أخي السائب المذكور فيه ، وخصيفة جده ، وأبوه عبد الله بن خصيفة ، وقد نسب إلى جده . الخامس : السائب - بالسين المهملة - ابن يزيد من الزيادة ابن أخت النمر الكندي الصحابي ، وقد تقدم في باب استعمال فضل وضوء الناس .

وروى ثمة الجعيد عن السائب بدون واسطة ، وههنا روى عنه بواسطة يزيد ، وروى حاتم بن إسماعيل هذا الحديث عن الجعيد عن السائب بلا واسطة ، أخرجه الإسماعيلي وصح سماع الجعد عن السائب كما ذكرناه الآن ، فلا يكون هذا الاختلاف قادحا ، وروى عبد الرزاق هذا من طريق أخرى عن نافع قال : " كان عمر رضي الله تعالى عنه يقول : لا تكثروا اللغط ، فقال : إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت " . . الحديث ، وهذا فيه انقطاع لأن نافعا لم يدرك هذا الزمان .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وبصيغة الإفراد في موضع واحد ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه القول ، وفيه أن رواته ما بين مديني ومدني وبصري ، وفيه رواية الراوي عن خاله كما ذكرنا .

( ذكر معناه وإعرابه ) ؛ قوله ( كنت قائما ) ، وقع في الأصول بالقاف ، ويروى "نائما" بالنون ، ويؤيد هذه الرواية ما ذكره الإسماعيلي عن أبي يعلى : حدثنا محمد بن عباد ، حدثنا حاتم بن إسماعيل عن الجعيد عن السائب قال : " كنت مضطجعا فحصبني إنسان " ؛ قوله ( فحصبني ) من حصبت الرجل أحصبه بالكسر رميته بالحصباء ؛ قوله ( فإذا هو عمر بن الخطاب ) كلمة إذا للمفاجأة ، وهو مبتدأ ، وعمر خبره ، ويروى : " فإذا عمر بن الخطاب " ، فعلى هذا عمر مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره : فإذا عمر حاضر أو واقف ؛ قوله : ( فقال اذهب ) أي : فقال عمر للسائب : اذهب ؛ قوله ( فأتني بهذين ) يعني بهذين الشخصين ، وكانا ثقفيين كذا في رواية عبد الرزاق ؛ قوله ( لأوجعتكما ) ، وفي رواية الإسماعيلي : " لأوجعتكما جلدا " .

قوله ( ترفعان ) خطاب لهذين الاثنين ، وهي جملة استئنافية ، وهي في الحقيقة جواب عن سؤال مقدر كأنهما قالا : لم توجعن ؟ قال : لأنكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( فإن قلت ) : ما وجه الجمع في أصواتكما مع أن الموجود صوتان لهما ؟ قلت : المضاف المثنى معنى إذا كان جزء ما أضيف إليه الأفصح أن يذكر بالجمع كما في قوله تعالى : فقد صغت قلوبكما ويجوز إفراده نحو : أكلت رأس شاتين ، والتثنية مع أصالتها قليلة الاستعمال ، وإن لم يكن جزأه فالأكثر [ ص: 250 ] مجيئه بلفظ التثنية نحو : سل الزيدان سيفيهما ، وإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كما في قوله : ( يعذبان في قبورهما ) ، وفي رواية الإسماعيلي : " برفعكما أصواتكما " أي : بسبب رفعكما أصواتكما .

( ومما يستفاد منه ) : ما قاله ابن بطال قال بعضهم : أما إنكار عمر فلأنهما رفعا أصواتهما فيما لا يحتاجان إليه من اللغط الذي لا يجوز في المسجد ، وإنما سألهما من أين أنتما ليعلم أنهما إن كانا من أهل البلد ، وعلما أن رفع الصوت في المسجد باللغط فيه غير جائز زجرهما وأدبهما ، فلما أخبراه أنهما من غير البلد عذرهما بالجهل . وفيه ما يدل على جواز قبول اعتذار أهل الجهل بالحلم إذا كان في شيء يخفى مثله . وفيه جواز تأديب الإمام من يرفع صوته في المسجد باللغط ، ونحو ذلك ، وقال بعضهم : هذا الحديث له حكم الرفع ؛ لأن عمر لا يتوعد الرجلين المذكورين بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي . قلت : لا نسلم ذلك لأنه يجوز أن يكون ذلك باجتهاده ورأيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية