صفحة جزء
466 137 - حدثنا حامد بن عمر ، عن بشر ، قال : حدثنا عاصم ، قال : حدثنا واقد ، عن أبيه ، عن ابن عمر أو ابن عمرو قال : شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه ، وقال عاصم بن علي : حدثنا عاصم بن محمد ، سمعت هذا الحديث من أبي ، فلم أحفظه ، فقومه لي واقد ، عن أبيه قال : سمعت أبي وهو يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله بن عمرو ، كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس بهذا ، ولفظه في جمع الحميدي في مسند ابن عمر : شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه ، وقال : كيف أنت يا عبد الله إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم ، وأماناتهم ، واختلفوا فصاروا هكذا ، وشبك بين أصابعه ، قال : فكيف أفعل يا رسول الله ؟ قال : تأخذ ما تعرف ، وتدع ما تنكر ، وتقبل على خاصتك ، وتدعهم وعوامهم .
[ ص: 261 ] مطابقته للترجمة في أحد جزأيها ، واكتفى البخاري بدلالته على بعض الترجمة حيث دل حديث أبي هريرة على تمامها .

( ذكر رجاله ) : فيه تسعة أنفس : الأول : حامد بن عمر البكراوي من ذرية أبي بكر الثقفي نزيل نيسابور ، وقاضي كرمان ، روى عنه مسلم أيضا ، مات بنيسابور أول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين . الثاني : بشر ، بكسر الباء الموحدة ، ابن المفضل الرقاشي ، الحجة ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ويصلي كل يوم أربعمائة ركعة ، مات سنة تسع وثمانين ومائة . الثالث : عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري ، المدني ، وثقه أحمد وغيره . الرابع : أخو عاصم ، وهو واقد ، بالقاف ، ابن محمد بن زيد المذكور ، وثقه أبو زرعة وغيره . الخامس : أبوه محمد بن زيد بن عبد الله ، وثقه غير واحد . السادس : عبد الله بن عمر بن الخطاب . السابع : عبد الله بن عمرو بن العاص . الثامن : أبو عبد الله ، وهو البخاري نفسه . التاسع : عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي ، شيخ البخاري والدارمي ، وفي ( تهذيب التهذيب ) كان من ثقات الشيوخ وأعيانهم ، وقال ابن معين : ضعيف ، وفي رواية : ليس بشيء ، وفي رواية : ليس بثقة ، وفي رواية : كذاب ، مات في نصف رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه القول ، والسماع ، وفيه الشك بين عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وبين عبد الله بن عمرو بن العاص ، والظاهر أن الشك من واقد ، وفيه أن رواته ما بين بصري ومدني .

( ذكر معناه ) : قوله : ( قال عاصم بن علي ) تعليق من البخاري ، ووصله إبراهيم الحربي في ( غريب الحديث ) له قال : حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا عاصم بن محمد ، عن واقد ، سمعت أبي يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فذكره . قوله : ( في حثالة ) بضم الحاء المهملة ، وتخفيف الثاء المثلثة ، قال ابن سيده : هو ما يخرج من الطعام من زوان ونحوه مما لا خير فيه ، وقال اللحياني : هو أجل من التراب والدقاق قليلا ، وخصه بالحنطة ، والحثالة والحثل : الرديء من كل شيء ، وقيل : هو القشارة من التمر والشعير وما أشبههما ، وحثالة القرط نقايته . قوله : ( مرجت عهودهم ) قال أبو المعالي في ( المنتهى ) مرجت عهودهم إذا لم تثبت ، وأمرجوها إذا لم يوفوا بها وخلطوها ، ومرجت أماناتهم فسدت ، ومرج الدين اختلط واضطرب ، وفي ( المحكم ) مرج الأمر مرجا ، فهو مارج ومريج التبس ، واختلط ، ومرج أمره يمرجه ضيعه ، ورجل ممارج يمرج أموره ولا يحكمها ، ومرج العهد ، والدين ، والأمانة فسد ، وأمرج عهده لم يف به . قوله : ( وشبك بين أصابعه ) ، أي : شبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ليمثل لهم اختلاطهم .

( ذكر ما يستفاد منه ) فيه جواز تشبيك الأصابع سواء كان في المسجد أو غيره لإطلاق الحديث ، ولكن العلماء اختلفوا في تشبيك الأصابع في المسجد وفي الصلاة ، وكره إبراهيم ذلك في الصلاة ، وهو قول مالك ، ورخص في ذلك ابن عمر ، وابنه سالم ، فكانا يشبكان بين أصابعهما في الصلاة ، ذكره ابن أبي شيبة ، وكان الحسن البصري يشبك بين أصابعه في المسجد ، وقال مالك : إنهم لينكرون تشبيك الأصابع في المسجد ، وما به بأس ، وإنما يكره في الصلاة ، وقد ورد النهي عن ذلك في أحاديث ، منها : ما أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) ، فقال : حدثنا أبو عروبة ، حدثنا محمد بن سعدان ، حدثنا سليمان بن عبد الله ، عن عبيد الله بن عمر ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا كعب إذا توضأت ، فأحسنت الوضوء ، ثم خرجت إلى المسجد ، فلا تشبك بين أصابعك ، فإنك في صلاة ، ومنها ما أخرجه الحاكم في ( مستدركه ) من حديث إسماعيل بن أمية ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا توضأ أحدكم في بيته ، ثم أتى المسجد ، كان في صلاة حتى يرجع ، فلا يفعل هكذا ، وشبك بين أصابعه ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ومنها ما رواه ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، عن عمه ، عن مولى لأبي سعيد ، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى رجلا جالسا وسط الناس ، وقد شبك بين أصابعه يحدث نفسه ، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يفطن له ، فالتفت إلى أبي سعيد ، فقال : إذا صلى أحدكم ، فلا يشبكن بين أصابعه ، فإن التشبيك من الشيطان ، ( ( فإن قلت ) ) : هذه الأحاديث معارضة لأحاديث الباب ، ( قلت ) : غير مقاومة لها في الصحة ، ولا مساوية ، وقال ابن بطال : وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه معارضة بما روي من النهي عن [ ص: 262 ] التشبيك في المسجد ، وقد وردت فيه مراسيل ومسند من طرق غير ثابتة ، ( قلت ) : كأنه أراد بالمسند حديث كعب بن عجرة الذي ذكرناه ، ( ( فإن قلت ) ) : حديث كعب هذا رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان ، ( قلت ) : في إسناده اختلاف فضعفه بعضهم بسببه ، وقيل : ليس بين هذه الأحاديث معارضة ؛ لأن النهي إنما ورد عن فعل ذلك في الصلاة ، أو في المضي إلى الصلاة ، وفعله صلى الله عليه وسلم ليس في الصلاة ، ولا في المضي إليها فلا معارضة إذا ، وبقي كل حديث على حياله ، ( ( فإن قلت ) ) : في حديث أبي هريرة الذي في الباب وقع تشبيكه صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة ، ( قلت ) : إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه ، فهو في حكم المنصرف عن الصلاة ، والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة ؛ لأن فيها ضعيفا ومجهولا ، وقد رواها ابن أبي شيبة ، ولفظه : ( إذا صلى أحدكم ، فلا يشبكن بين أصابعه ، فإن التشبيك من الشيطان ، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه ) ، وقال ابن المنير : التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض ؛ إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث ، والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل وتصوير المعنى في اللفظ ، ( ( فإن قلت ) ) : ما حكمة النهي عن التشبيك ، ( قلت ) : أجيب بأجوبة : الأول : لكونه من الشيطان كما مر الآن ، الثاني : لأنه يجلب النوم ، وهو من مظان الحدث ، الثالث : أن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف كما نبه عليه في حديث ابن عمر ، فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهي عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين : ( ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية