صفحة جزء
4604 379 - حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله . فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت [ ص: 225 ] وكيت . فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هو في كتاب الله ؟ فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول . قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ؟ قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه ، قالت : فإني أرى أهلك يفعلونه ، قال : فاذهبي فانظري ، فذهبت فنظرت ، فلم تر من حاجتها شيئا ، فقال : لو كانت كذلك ما جامعتنا .


مطابقته للترجمة في قوله : " أما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه " وسفيان هو ابن عيينة ، ومنصور هو ابن المعتمر ، وإبراهيم هو النخعي ، وعلقمة هو ابن قيس ، وعبد الله هو ابن مسعود .

والحديث أخرجه البخاري في اللباس عن محمد بن المثنى ، وعن محمد بن مقاتل ، وعن عثمان ، وعن إسحاق ، وعن محمد بن بشار ، وفي التفسير : أيضا عن علي بن عبد الله ، وأخرجه مسلم في اللباس عن عثمان وغيره ، وأخرجه أبو داود في الترجل عن محمد بن عيسى وعثمان ، وأخرجه الترمذي في الاستئذان ، عن أحمد بن منيع ، وأخرجه النسائي في الزينة ، عن محمد بن بشار وغيره ، وفي التفسير : عن محمد بن رافع ، وأخرجه ابن ماجه في النكاح ، عن حفص بن عمر وغيره .

قوله : " الواشمات " جمع واشمة من الوشم ، وهو غرز إبرة أو مسلة ونحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة وغير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل منه الدم ، ثم يحشى ذلك الموضع بكحل أو نورة أو نيلة ، ففاعل هذا واشم وواشمة ، والمفعول بها موشومة ، فإن طلبت فعل ذلك فهي مستوشمة ، وهو حرام على الفاعل والمفعول بها باختيارها والطالبة له ، فإن فعل بطفلة فالإثم على الفاعلة ، لا على الطفلة لعدم تكليفها حينئذ، وقال النووي : قال أصحابنا : الموضع الذي وشم يصير نجسا ، فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت إزالته ، وإن لم يمكن إلا بجرح فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته ، وإذا تاب لم يبق عليه إثم ، وإن لم يخف شيئا من ذلك ونحوه لزمه إزالته ويعصي بتأخيره ، وسواء في هذا كله الرجل والمرأة . قوله : " والمؤتشمات " جمع مؤتشمة ، وهي التي يفعل فيها الوشم . قوله : " والمتنمصات " جمع متنمصة من التنمص بتاء مثناة من فوق ، ثم نون وصاد مهملة ، وهو إزالة الشعر من الوجه مأخوذ من المنماص بكسر الميم الأولى ، وهو المنقاش ، والمتنمصة هي الطالبة إزالة شعر وجهها ، والنامصة هي الفاعلة ذلك ، يعني المزيلة ، وعن ابن الجوزي : بعضهم يقول : المنتمصة بتقديم النون ، والذي ضبطناه عن أشياخنا في كتاب أبي عبيدة تقديم التاء مع التشديد قال النووي : وهو حرام ، إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب ، فلا يحرم ، بل يستحب عندنا ، والنهي إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه ، وقال ابن حزم : لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها ولا تغيير شيء من خلقها بزيادة ولا نقص . قوله المتفلجات جمع متفلجة بالفاء والجيم من التفلج ، وهو برد الأسنان الثنايا والرباعيات مأخوذ من الفلج بفتح الفاء واللام ، وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات قوله : " للحسن " يتعلق بالمتفلجات ، أي لأجل الحسن قيد به ; لأن الحرام منه هو المفعول لطلب الحسن ، أما إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس به ، وقال النووي : يفعل ذلك العجوز وشبهها إظهارا للصغر وحسن الأسنان ، وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها . قوله : " المغيرات خلق الله " يشمل ما ذكر قبله ، ولذلك قال : المغيرات بدون الواو ; لأن ذلك كله تغيير لخلق الله تعالى وتزوير وتدليس . وقيل : هذا صفة لازمة للتفلج . قوله : " أم يعقوب " لم أقف على اسمها . قوله : " من لعن " مفعول "لا ألعن" فيه دليل على جواز الاقتداء به في إطلاق اللعن معينا كان أو غير معين ; لأن الأصل أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يلعن إلا من يستحق ذلك عنده ، فإن قلت : يعارضه قوله : " اللهم ما من مسلم سببته أو لعنته وليس لذلك بأهل فاجعل له ذلك كفارة وطهورا " قلت : لا يعارضه ; لأنه عنده مستحق لذلك ، وأما عند الله عز وجل فالأمر موكول إليه يفهم من قوله : " وليس لذلك بأهل يعني في علمك لا في علمي إما أن يتوب مما صدر منه ، أو يقلع عنه ، وإن علم الله منه خلاف ذلك كان دعاؤه صلى الله عليه وسلم عليه زيادة في شقوته . قوله : " ومن هو في كتاب الله " معطوف على من لعن ، وتقديره : ما لي لا ألعن من هو في كتاب الله ملعون . قيل : أين في القرآن لعنتهن ؟ أجيب بأن فيه وجوب الانتهاء عما نهاه الرسول لقوله تعالى : [ ص: 226 ] وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقد نهى عنه ، ففاعله ظالم ، وقال الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين قوله : قرأت ما بين اللوحين ، أي القرآن ، أو أرادت باللوحين الذي يسمى بالرحل ، ويوضع المصحف عليه ، فهو كناية أيضا عن القرآن ، وقال إسماعيل القاضي : وكانت قارئة للقرآن . قوله : " إن كنت قرأتيه " ، ويروى : " قرأته " ، وهو الأصل ، ووجه الأول أن فيه إشباع الكسرة بالياء . قوله : " فإني أرى أهلك يفعلونه " أرادت بها زينب بنت عبد الله الثقفية . قوله : " فلم تر من حاجتها شيئا " ، أي فلم تر أم يعقوب من الذي ظنت أن زوج ابن مسعود كانت تفعله . قوله : " فقال : لو كانت كذلك " ، أي فقال ابن مسعود : لو كانت زوجي تفعل ذلك كما ذكرته . قوله : " ما جامعتنا " جواب لو ، أي ما صاحبتنا ، بل كنا نطلقها ونفارقها ، وفي رواية الإسماعيلي : " ما جامعتني " ، وفي رواية الكشميهني : " ما جامعتها " من الجماع ، كناية عن إيقاع الطلاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية