صفحة جزء
4610 386 - حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب عن حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية رضي الله عنها قالت : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا : أن لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة ، فقبضت امرأة يدها فقالت : أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها . فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، فانطلقت ورجعت فبايعها .


مطابقته للترجمة ظاهرة ، وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري ، وعبد الوارث هو ابن سعيد [ ص: 232 ] وأيوب هو السختياني ، وحفصة هي بنت سيرين أخت محمد بن سيرين ، وأم عطية اسمها نسيبة بنت الحارث ، وقد ترجمناها في كتاب الجنائز .

والحديث أخرجه أيضا في كتاب الأحكام عن مسدد .

قوله : " ونهانا عن النياحة " ، وهو اسم من ناحت المرأة على الميت إذا ندبته ، وذلك أن تبكي وتعدد محاسنه . وقيل : النوح بكاء مع الصوت ، ومنه : ناح الحمام نوحا . قوله : " فقبضت امرأة يدها " هذه المرأة هي أم عطية المذكورة ، ولكنها أبهمت نفسها ، والدليل عليه ما في رواية النسائي : أن امرأة ساعدتني فلا بد أن أسعدها ، وفي رواية عاصم : فقلت يا رسول الله إلا آل فلان ; فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ، فلا بد من أن أسعدهم . قال الخطابي : يقال أسعدت المرأة صاحبتها إذا قامت في نياحة معها تراسلها في نياحتها ، والإسعاد خاص في هذا المعنى بخلاف المساعدة ; فإنها عامة في جميع الأمور . قوله : " فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا " يعني سكت ، ولم يرد عليها بشيء ، وفي رواية النسائي : " اذهبي فأسعديها " قالت : فذهبت فأسعدتها ، ثم جئت فبايعت ، وهو معنى قولها : " فانطلقت ورجعت " يعني انطلقت وأسعدت تلك المرأة التي أسعدتها هي ، ثم رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعها النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأم عطية في إسعاد تلك المرأة ، وقال النووي : هذا محمول على الترخيص لأم عطية خاصة ، وللشارع أن يخص من شاء من العموم . قيل : فيه نظر إلا إن ادعى أن التي ساعدتها لم تكن أسلمت . وجه النظر أن تحليل شيء من المحرمات لا يختص به ، وأيضا أخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس قال : لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن أن لا يشركن بالله شيئا ... الآية قالت خولة بنت حكيم : يا رسول الله إن أبي وأخي ماتا في الجاهلية وإن فلانة أسعدتني ، وقد مات أخوها ، وأخرج الترمذي من طريق سعد بن حوشب عن أم سلمة الأنصارية أسماء بنت يزيد قالت : قلت يا رسول الله إن بني فلان أسعدوني على عمي ، ولا بد من قضائهن ، فأبى قالت : فراجعته مرارا ، فأذن لي ، ثم لم أنح بعد ، وأخرج أحمد والطبراني من طريق مصعب بن نوح قال : أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فأخذ علينا أن لا ننحن فقالت العجوز : يا نبي الله إن ناسا كانوا أسعدونا على مصائب أصابتنا ، وإنهم قد أصابتهم مصيبة ، فأنا أريد أن أسعدهم قال : اذهبي فكافئيهم . قالت : فانطلقت فكافأتهم ، ثم إنها أتت فبايعته . قلت : فبهذه الأحاديث استدل بعض المالكية على جواز النياحة ، وأن المحرم منها ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية من شق جيب وخمش خد ونحو ذلك ، والصواب أن النياحة حرام مطلقا ، وهو مذهب العلماء ، والجواب الذي هو أحسن الأجوبة ، وأقربها أن يقال : إن النهي ورد أولا للتنزيه ، ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم ، فيكون الإذن الذي وقع لمن ذكر في الحالة الأولى ، ثم وقع التحريم ، وورد الوعيد الشديد في أحاديث كثيرة ، والله أعلم . فإن قلت : في حديث الباب : " فقبضت يدها " ، وهو يعارض حديث عائشة المذكور قبل هذا . قلت : قد ذكرنا هناك أن المراد بالقبض التأخر عن القبول جمعا بين الحديثين ، فافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية