صفحة جزء
487 ( ورد ابن عمر المار بين يديه في التشهد ، وفي الكعبة ، وقال : إن أبى إلا أن تقاتله فقاتله )
[ ص: 289 ] الكلام فيه على أنواع ، الأول : في وجه مطابقته للترجمة ، وهي ظاهرة ؛ لأن ابن عمر رد المار من بين يديه وهو في الصلاة . الثاني : في معنى التركيب ، فقوله : ورد ابن عمر ، أي : رد عبد الله بن عمر بن الخطاب المار بين يديه حال كونه في التشهد ، وكان هذا المار هو عمرو بن دينار ، نبه عليه عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة في مصنفيهما . قوله : ( وفي الكعبة ) ، أي : ورد أيضا في الكعبة ، قال الكرماني : هو عطف على مقدر ، أي : رد المار بين يديه عند كونه في الصلاة ، وفي غير الكعبة ، وفي الكعبة أيضا ، ويحتمل أن يراد به كون الرد في حالة واحدة جمعا بين كونه في التشهد ، وفي الكعبة ، فلا حاجة إلى مقدر ، وقال أبو محمد الإشبيلي في كتابه ( الجمع بين الصحيحين ) كذا وقع ، وفي الكعبة ، وقال ابن قرقول : ورد ابن عمر في التشهد ، وفي الكعبة ، وقال القابسي : وفي الركعة بدلا من الكعبة أشبه ، وكذا وقع في بعض الأصول : الركعة ، وقال صاحب ( التلويح ) والظاهر أنه وفي الكعبة ، وهو الصواب كما في كتاب الصلاة لأبي نعيم ، حدثنا عبد العزيز بن الماجشون عن صالح بن كيسان ، قال : رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة ، فلا يدع أحدا يمر بين يديه يبادره ، قال بردة : حدثنا مطر بن خليفة ، حدثنا عمرو بن دينار ، قال : مررت بابن عمر بعدما جلس في آخر صلاته حتى أنظر ما يصنع ، فارتفع من مكانه فدفع في صدري ، وقال ابن أبي شيبة : أخبرنا ابن فضيل ، عن مطر ، عن عمرو بن دينار ، قال : مررت بين يدي ابن عمر وهو في الصلاة ، فارتفع من قعوده ، ثم دفع في صدري ، وفي كتاب ( الصلاة ) لأبي نعيم : فانتهرني بتسبيحة ، وقال بعضهم : رواية الجمهور متجهة ، وتخصيص الكعبة بالذكر لئلا يتخيل أنه يغتفر فيها المرور لكونها محل المزاحمة ، ( قلت ) : الواقع في نفس الأمر عن ابن عمر في الرد في غير الكعبة ، وفي الكعبة أيضا ، فلا يقال : فيه التخصيص ، والتعليل فيه بكون محل المزاحمة غير موجه ؛ لأن في غير الكعبة أيضا توجد المزاحمة ، سيما في أيام الجمع في الجوامع ، ونحو ذلك . قوله : ( وقال ) أي : ابن عمر ( إن أبى ) ، أي : المار ، أي : امتنع بكل وجه إلا بأن يقاتل المصلي المار قاتله . قوله : ( إلا أن يقاتله ) . وقوله : ( قاتله ) على وجهين ، أحدهما : أن يكون لفظ قاتله بصيغة الفعل الماضي ، وهذا عند كون لفظ إلا أن يقاتله بصيغة الفعل المضارع المعلوم ، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى المار الذي هو فاعل لفظة أبى ، والمنصوب يرجع إلى المصلي ، والضمير المرفوع في قاتله يرجع إلى المصلي ، والمنصوب يرجع إلى المار ، والوجه الآخر : أن يكون لفظة إلا أن تقاتله بصيغة المخاطب ، أي : إلا أن تقاتل المار فقاتله بكسر التاء ، وسكون اللام على صيغة الأمر للحاضر ، وهذه رواية الكشميهني ، والأول : رواية الأكثرين ، ( ( فإن قلت ) ) : لفظة قاتله في الوجه الثاني جملة أمرية ، والجملة الأمرية إذا وقعت جزاء للشرط ، فلا بد فيها من الفاء ، ( قلت ) : تقدير الكلام : فأنت قاتله ، قال الكرماني : ويجوز حذف الفاء منها نحو :


من يفعل الحسنات الله يشكرها



( قلت ) : حذف الفاء منها لضرورة الوزن ، فلا يقاس عليه ، ويروى : فقاتله بالفاء على الأصل .

النوع الثالث : في أن المروي عن ابن عمر هاهنا على سبيل التعليق بثلاثة أشياء ، الأول : رده المار في التشهد ، وقد وصله أبو نعيم ، وابن أبي شيبة كما ذكرناه عن قريب . الثاني : رده في الكعبة ، وقد وصله أبو نعيم أيضا كما ذكرناه ، وفي حديث يزيد الفقير : صليت إلى جنب ابن عمر بمكة ، فلم أر رجلا أكره أن يمر بين يديه منه . الثالث : أمره بالمقاتلة عند عدم امتناع المار من المرور بين يدي المصلي ، وقد وصله عبد الرزاق ، ولفظه عن ابن عمر ، قال : لا تدع أحدا يمر بين يديك وأنت تصلي ، فإن أبى إلا أن تقاتله فقاتله ، وهذا موافق لرواية الكشميهني .

التالي السابق


الخدمات العلمية