صفحة جزء
492 163 - حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قال الأعمش : وحدثني مسلم ، عن مسروق ، عن عائشة ذكر عندها ما يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والمرأة ، فقالت : شبهتمونا بالحمر ، والكلاب ، والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة ، فتبدو لي الحاجة ، فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم فأنسل من عند رجليه .
مطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إنه يدل على أن الصلاة لا يقطعها شيء ، بيان ذلك أن عائشة أنكرت على من ذكر عندها أن الصلاة يقطعها الكلب ، والحمار ، والمرأة بكونها كانت على السرير بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ، وهي مضطجعة ، ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قطعا لصلاته ، فهذه الحالة أقوى من المرور ، فإذا لم تقطع في هذه ، ففي المرور بالطريق الأولى ، ثم المرور عام من أي حيوان كان ؛ لأن الشارع جعل كل مار بين يدي المصلي شيطانا ، وذلك في حديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، وأبو داود ، عن القعنبي ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان أحدكم يصلي ، فلا يدعن أحدا يمر بين يديه ، وليدرأه ما استطاع ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان ) وهو بعمومه يتناول بني آدم ، وغيرهم ، ولم يجعل نفس المرور قاطعا ، وإنما ذم المار حيث جعله شيطانا من باب التشبيه .

( ذكر رجاله ) : وهم ثمانية ، قد ذكروا كلهم ، والأعمش هو سليمان ، وإبراهيم هو النخعي ، والأسود هو ابن يزيد النخعي ، ومسلم هو أبو الضحى ، ومسروق هو ابن الأجدع .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع ، وبصيغة الإفراد في موضع واحد ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه إسنادان أحدهما عن عمر بن حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، والآخر عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عائشة ، وأشار إليه بقوله : وقال الأعمش : حدثني مسلم ، قال الكرماني : هذا إما تعليق ، وإما داخل تحت الإسناد الأول ، وهذا تحويل ، سواء كان بكلمة ( ح ) كما في بعض النسخ ، أو لم يكن ، وقال بعضهم : قال الأعمش ، هو مقول حفص بن غياث ، وليس بتعليق ، ( قلت ) : أراد به الرد على الكرماني ، وليس له وجه ؛ لأنه ذكر التعليق بالنظر إلى ظاهر الصورة ، وذكر أيضا أنه داخل تحت الإسناد الأول ، وهذا الحديث قد تكرر ذكره مطولا ومختصرا بوجوه شتى وطرق مختلفة . ذكر في باب الصلاة على الفراش ، وفي باب الصلاة على السرير ، وفي باب استقبال الرجل الرجل في الصلاة ، وفي باب الصلاة خلف النائم ، وفي باب التطوع خلف المرأة ، وفي هذا الباب في موضعين .

( ذكر معناه وإعرابه ) : قوله : ( ذكر عندها ) ، أي : إنه ذكر عند عائشة . قوله : ( ما يقطع ) كلمة ما موصولة ، ويجوز فيه وجهان ، الأول : أن تكون مبتدأ وخبره قوله : الكلب ، والجملة في محل النصب ؛ لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ، وهو قوله : ذكر على صيغة المجهول ، الوجه الثاني : أن يكون ما مفعول ما لم يسم فاعله ، ويكون قوله : الكلب بدلا منه . قوله : ( وأنا على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة ) ثلاثة أخبار مترادفة ، قاله الكرماني ، وقال أيضا : أو خبران وحال ، أو حالان وخبر ، وفي بعضها مضطجعة بالنصب ، فالأولان خبران ، أو أحدهما حال ، والآخر خبر ، ( قلت ) : التحقيق فيه أن قوله : وأنا على السرير جملة اسمية وقعت حالا من عائشة ، وكذا بينه وبين القبلة حال . وقوله : مضطجعة بالرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : وأنا مضطجعة ، وعلى التقديرين تكون هذه الجملة أيضا حالا ، ويجوز أن يكون مضطجعة بالرفع خبرا لقوله : وأنا ، أي : والحال أنا مضطجعة [ ص: 299 ] على السرير ، فعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير مبتدأ ، وأما وجه النصب في ( مضطجعة ) فعلى أنه حال من عائشة أيضا ، ثم يجوز أن يكون هذان الحالان مترادفين ، ويجوز أن يكونا متداخلين . قوله : ( شبهتمونا بالحمر والكلاب ) ، وفي رواية للبخاري : ( لقد جعلتمونا كلابا ) ، وهي في استقبال الرجل الرجل وهو يصلي ، وفي رواية مسلم : ( قالت : عدلتمونا بالكلاب والحمر ) ، وفي رواية أخرى له : ( لقد شبهتمونا بالحمير والكلاب ) ، وفي رواية الطحاوي ( لقد عدلتمونا بالكلاب والحمير ) ، وقد أخرج الطحاوي هذا الحديث من سبع طرق صحاح ، وفي رواية سعيد بن منصور ( قالت عائشة : يا أهل العراق قد عدلتمونا ) الحديث ، وقد أخرج أهل العراق حديثا عن أبي ذر ، أخرجه مسلم ، وقال : حدثنا ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، وحدثني زهير بن حرب ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن يونس ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قام أحدكم يصلي ، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار ، والمرأة ، والكلب الأسود ، قلت : يا أبا ذر ، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر ومن الكلب الأصفر ، قال : يا ابن أخي ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني ، فقال : الكلب الأسود شيطان ) وأخرجه الأربعة أيضا مطولا ومختصرا ، وقيد الكلب في روايته بالأسود ، وروى ابن ماجه من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يقطع الصلاة الكلب الأسود ، والمرأة الحائض ) وقيد المرأة في روايته بالحائض . قوله : ( فتبدو لي الحاجة ) ، أي : تظهر ، وفي ( مسند ) السراج ( فيكون لي حاجة ) . قوله : ( فأكره أن أجلس ) ، أي : مستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر في باب الصلاة على السرير ، فأكره أن أسنحه ، وفي باب استقبال الرجل : فأكره أن أستقبله ، والمقصود من ذلك كله واحد ، لكن باختلاف المقامات اختلفت العبارات . قوله : ( فأوذي ) بلفظ المتكلم من المضارع وفاعله الضمير فيه ، والنبي بالنصب مفعوله ، وفي النسائي من طريق شعبة ، عن منصور ، عن الأسود ، عن عائشة في هذا الحديث : ( فأكره أن أقوم فأمر بين يديه ) . قوله : ( فأنسل ) بالرفع عطفا على قوله : ( فأكره ) ، وليس بالنصب عطفا على ( فأوذي ) ومعنى ( فأنسل ) ، أي : أمضي بتأن وتدريج ، وقد ذكرناه مرة ، وفي رواية الطحاوي ( فأنسل انسلالا ) ، وكذا في رواية للبخاري .

( ذكر ما يستفاد منه ) : قال الطحاوي : دل حديث عائشة على أن مرور بني آدم بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة ، وكذلك دل حديث أم سلمة ، وميمونة بنت الحارث ، فأخرج الطحاوي حديث أم سلمة ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة ، قالت : ( كان يفرش لي حيال مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي وأنا حياله ) ، وأخرجه أحمد في ( مسنده ) نحوه ، غير أن في لفظه : ( حيال مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، أي : تلقاء وجهه ، وأخرج الطحاوي أيضا حديث ميمونة عن عبد الله بن شداد ، قال : حدثتني خالتي ميمونة بنت الحارث ، قالت : ( كان فراشي حيال مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فربما وقع ثوبه علي وهو يصلي ) ، وأخرجه أبو داود ، ولفظه : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا حذاءه ، وأنا حائض ، وربما أصابني ثوبه إذا سجد ، وكان يصلي على الخمرة ) . قوله : ( مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بفتح اللام ، وهو الموضع الذي كان يصلي فيه صلى الله عليه وسلم في بيته ، وهو مسجده الذي عينه للصلاة فيه ، والخمرة بضم الخاء المعجمة : حصير صغير يعمل من سعف النخل وينسج بالسيور والخيوط ، وهي على قدر ما يوضع عليها الوجه والأنف ، فإذا كبرت عن ذلك تسمى حصيرا ، وقال الطحاوي : فقد تواترت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يدل على أن بني آدم لا يقطعون الصلاة ، وقد جعل كل مار بين يدي المصلي في حديث ابن عمر ، وأبي سعيد شيطانا ، وأخبر أبو ذر أن الكلب الأسود إنما يقطع الصلاة ؛ لأنه شيطان ، فكانت العلة التي جعلت لقطع الصلاة قد جعلت في بني آدم أيضا ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يقطعون الصلاة ، فدل على أن كل مار بين يدي المصلي مما سوى بني آدم كذلك أيضا لا يقطع الصلاة ، والدليل على صحة ما ذكرنا أن ابن عمر مع روايته ما ذكرنا عنه صلى الله عليه وسلم من قوله قد روى عنه من بعده ما حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : قيل لابن عمر : إن عبد الله بن عياش بن ربيعة يقول : يقطع الصلاة الكلب والحمار ، فقال ابن عمر : لا يقطع صلاة المسلم شيء ، وقد دل هذا على ثبوت نسخ ما كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار ما قال به أولى عنده من ذلك ، وقال بعضهم : وتعقب على كلام الطحاوي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع ، والتاريخ هنا لم يتحقق ، والجمع لم يتعذر ، ( قلت ) : لا نسلم [ ص: 300 ] ذلك ؛ لأن مثل ابن عمر بعدما روى أن المرور يقطع ، قال : لا يقطع صلاة المسلم شيء ، فلو لم يثبت عنده نسخ ذلك لم يقل بما قال من عدم القطع ، ومن الدليل على ذلك أن ابن عباس الذي هو أحد رواة القطع روي عنه أنه حمله على الكراهة .

وقال البيهقي : روى سماك عن عكرمة قيل لابن عباس : أتقطع الصلاة المرأة ، والكلب ، والحمار ، فقال : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فما يقطع هذا ، ولكن يكره ، وقال الطحاوي ، وقد روي عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مرور بني آدم وغيرهم بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة ، ثم أخرج عن سعيد بن المسيب بإسناد صحيح أن عليا وعثمان رضي الله تعالى عنهما قالا : ( لا يقطع صلاة المسلم شيء وادرؤوا ما استطعتم ) ، وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن ابن المسيب عن علي وعثمان ، قالا : ( لا يقطع الصلاة شيء فادرؤوهم عنكم ما استطعتم ) ، وأخرج الطحاوي عن كعب بن عبد الله ، عن حذيفة بن اليمان يقول : ( لا يقطع الصلاة شيء ) ، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا ، وأخرج الطبراني من حديث علي رضي الله عنه مرفوعا : ( لا يقطع الصلاة شيء إلا الحدث ) ، وقال الكرماني : القائلون بقطع الصلاة بمرورهم من أين قالوا به ، ( قلت ) : إما باجتهادهم ، ولفظ شبهتمونا يدل عليه ، إذ نسبت التشبيه إليهم ، وإما بما ثبت عندهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ( قلت ) : هذا السؤال سؤال من لم يقف على الأحاديث التي فيها القطع ، وأحد شقي الجواب غير موجه ؛ لأنه لا مجال للاجتهاد عند وجود النصوص ، ثم قال الكرماني : فإن قال الرسول به ، فلم لا يحكم بالقطع ، ( قلت ) : إما لأنها رجحت خبرها على خبرهم من جهة أنها صاحبة الواقعة ، أو من جهة أخرى ، أو لأنها أولت القطع بقطع الخشوع ، ومواطأة القلب اللسان في التلاوة ، لا قطع أصل الصلاة ، أو جعلت حديثها وحديث ابن عباس من مرور الحمار الأتان ناسخين له ، وكذا حديث أبي سعيد الخدري حيث قال : ( فليدفعه ، وفليقاتله ) من غير حكم بانقطاع الصلاة بذلك ، ( ( فإن قلت ) ) : لم لم يعكس بأن يجعل الأحاديث الثلاثة منسوخة به ، ( قلت ) : للاحتراز عن كثرة النسخ ، إذ نسخ حديث واحد أهون من نسخ ثلاثة ، أو لأنها كانت عارفة بالتاريخ وتأخرها عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية