صفحة جزء
4707 14 - حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف ، أن ابن جريج أخبرهم قال : وأخبرني يوسف بن ماهك قال : إني عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إذ جاءها عراقي فقال : أي الكفن خير ، قالت : ويحك وما يضرك ، قال : يا أم المؤمنين أريني مصحفك ، قالت : لم ؟ قال : لعلي أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف ، قالت : وما يضرك أيه قرأت قبل ،إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل لا تزنوا لقالوا : لا ندع الزنا أبدا ، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده ، قال : فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السورة .


مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله : " لعلي أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف " ، وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير ، وهو شيخ مسلم أيضا ، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، ويوسف بن ماهك بفتح الهاء معرب ; لأن ماهك بالفارسية قمير مصغر القمر وماه اسم القمر ، والتصغير عندهم بإلحاق الكاف في آخر الاسم ، قال الكرماني : والأصح فيه الانصراف ، قلت : الأصح فيه عدم الانصراف للعجمة والعلمية .

والحديث أخرجه النسائي في التفسير وفي فضائل القرآن ، عن يوسف بن سعيد بن مسلم .

قوله : " قال : وأخبرني يوسف " أي : قال ابن جريج : [ ص: 22 ] وأخبرني يوسف ، قال بعضهم : وما عرفت ماذا عطف عليه ، ثم رأيت الواو ساقطة في رواية النسفي ، قلت : يجوز أن يكون معطوفا على محذوف تقديره أن يقال ، قال ابن جريج : أخبرني فلان بكذا وأخبرني

يوسف بن ماهك إلى آخره ، قوله : " إذ جاءها " كلمة إذ للمفاجأة ، قوله : " عراقي " أي : رجل من أهل العراق ولم يدر اسمه ، قوله : " أي الكفن خير " يحتمل أن يكون سؤاله عن الكم يعني لفافة أو أكثر ، وعن الكيف يعني أبيض أو غيره وناعما أو خشنا ، وعن النوع أنه قطن أو كتان مثلا .

قوله : " ويحك " كلمة ترحم ، قوله : " وما يضرك " أي : أي شيء يضرك بعد موتك وسقوط التكليف عنك في أي كفن كفنت لبطلان حسك بالنعومة والخشونة وغير ذلك ، قوله : " قالت : لم ؟ " أي : لم أريك مصحفي ، " قال : لعلي أؤلف عليه القرآن " قيل قصة العراقي كانت قبل أن يرسل عثمان المصاحف إلى الآفاق ، ورد عليه بأن يوسف بن ماهك لم يدرك زمان إرسال عثمان المصاحف إلى الآفاق ، وقد صرح يوسف في هذا الحديث أنه كان عند عائشة حين سألها هذا العراقي ، والظاهر أن هذا العراقي كان ممن أخذ بقراءة ابن مسعود ، وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه ، وكان تأليف مصحف العراقي مغايرا لتأليف مصحف عثمان فلذلك جاء إلى عائشة وسأل الإملاء من مصحفها .

قوله : " أيه " بالنصب وقيل بالضم أي : أي آي القرآن قرأت ، قوله : " قبل " أي : قبل قراءة السورة الأخرى ، قوله : " منه " أي : من القرآن ، قوله : " من المفصل " قال الخطابي : سمي مفصلا لكثرة ما يقع فيها من فصول التسمية بين السور ، وقد اختلف في أول المفصل فقيل : هو سورة ق ، وقيل : سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال النووي : سمي بالمفصل لقصر سوره وقرب انفصالهن بعضهن من بعض .

قوله : " أول ما نزل منه " أي : من القرآن " من المفصل فيها ذكر الجنة والنار " وأول ما نزل إما المدثر وإما اقرأ ، ففي كل منهما ذكر الجنة والنار ، أما في المدثر فصريح ، وهو قوله : وما أدراك ما سقر وقوله : في جنات يتساءلون وأما في اقرأ فيلزم ذكرهما من قوله : كذب وتولى وسندع الزبانية ، وقوله : إن كان على الهدى وبهذا التقرير يرد على بعضهم في قوله : هذا ظاهره يغاير ما تقدم أن أول شيء نزل اقرأ باسم ربك وليس فيها ذكر الجنة والنار ، قوله : " حتى إذا ثاب " أي : رجع ، قوله : " نزل الحلال والحرام " أشارت به إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وأنه أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمنين والمطيعين بالجنة ، والإنذار والتخويف للكافرين بالنار فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ، ولهذا قالت : ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر إلى آخره ; وذلك لانطباع النفوس بالنفرة عن ترك المألوف .

قوله : " لقد نزل بمكة " إلى آخره إشارة منها إلى تقوية ما ظهر لها من الحكمة المذكورة وهو تقدم سورة القمر وليس فيها شيء من الأحكام على نزول سورة البقرة والنساء ، مع كثرة اشتمالهما على الأحكام ، قوله : " إلا وأنا عنده " يعني بالمدينة ; لأن دخوله عليها إنما كان بعد الهجرة بلا خلاف ، قوله : " فأملت عليه " أي : أملت عائشة على العراقي من الإملاء ، ويروى من الإملال ، وهما بمعنى واحد ، قيل : في الحديث رد على النحاس في قوله : إن سورة النساء مكية ، مستندا إلى أن قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها نزلت بمكة اتفاقا في قصة مفتاح الكعبة ، وهي حجة واهية ; لأنه لا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة بمكة إذا نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية