صفحة جزء
37 - وقال الليث : حدثني يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن حضير قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت ، فقرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت الفرس ، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه ، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها ، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير ، قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى ، وكان منها قريبا ، فرفعت رأسي فانصرفت إليه ، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها ، قال : وتدري ما ذاك ، قال : لا ، قال : تلك الملائكة دنت لصوتك ، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم .


مطابقته للترجمة من حيث إن البخاري فهم من الظلة السكينة ، وأما الملائكة ففي قوله : " تلك الملائكة " .

ويزيد من الزيادة هو ابن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد بحذف الياء للتخفيف ; وسمي بالهاد لأنه كان يوقد ناره للأضياف ولمن سلك الطريق ليلا ، وقال أبو عمر : وقيل : اسم شداد أسامة بن عمرو ، وشداد لقب والهاد هو عمرو ، وقال أبو عمر : وكان شداد بن الهاد سلفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ; لأنه كان تحته سلمى بنت عميس أخت أسماء بنت عميس ، وهي أخت [ ص: 36 ] ميمونة بنت الحارث لأمها ، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، سكن المدينة ثم تحول إلى الكوفة ، وسلف الرجل زوج أخت امرأته ، ومحمد بن إبراهيم هو التيمي من صغار التابعين ، ولم يدرك أسيد بن حضير ، فروايته عنه منقطعة ; لكن الاعتماد في وصل الحديث المذكور على الإسناد الثاني وهو قوله : قال ابن الهاد : على ما يجيء عن قريب ، وهذا الإسناد منقطع ومعلق ، وصله أبو عبيد في فضائل القرآن ، عن يحيى بن بكير ، عن الليث بالإسنادين جميعا .

والحديث أخرجه النسائي أيضا في فضائل القرآن ، عن محمد بن عبد الله وغيره ، وفي المناقب عن أحمد بن سعيد الرياحي .

قوله : " بينما " كلمة بين زيدت فيها ما يضاف إلى الجملة ويحتاج إلى الجواب ، وهنا جوابها هو قوله : " إذ جالت الفرس " والفرس يقع على الذكر والأنثى ، ولهذا قال : " فجالت الفرس بالتأنيث " وقال في قوله : " وفرسه مربوط " بالتذكير ، قوله : " من الليل " أي : في الليل ، ووقع في رواية إبراهيم بن سعد في رواية مسلم والنسائي " بينما هو يقرأ في مربده " أي : في المكان الذي فيه التمر .

فإن قلت : وقع في رواية أبي عبيد أنه كان يقرأ على ظهر بيته ، وبينهما تغاير قلت : قوله " وفرسه مربوط إلى جانبه " يرد رواية ظهر البيت إلا أن يراد بظهر البيت خارجه لا أعلاه ، فينتفي التغاير ، فإن قلت : تقدم في باب فضل الكهف " كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان " وقد قيل : إن هذا الرجل هو أسيد بن حضير وإنه كان يقرأ سورة الكهف ، قلت : قال الكرماني : لعله قرأهما ، يعني السورتين الكهف وسورة البقرة ، أو كان ذلك الرجل غير أسيد ، هذا هو الظاهر .

قوله : " جالت من الجولان " وهو الاضطراب الشديد ، قوله : " قريبا منها " أي : من الفرس ، يعني كان في ذلك الوقت قريبا منها ، قوله : " فلما اجتره " بجيم وتاء مثناة من فوق وراء مشددة من الاجترار من الجر أي : فلما جر أسيد ابنه يحيى من المكان الذي هو فيه حتى لا يطأه الفرس رفع رأسه ، وفي رواية القابسي أخره بخاء معجمة مشددة وراء من التأخير أي : أخره من الموضع الذي كان فيه خشية عليه ، قوله : " يا ابن حضير " وقع مرتين ، أمره صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الاستقبال والحض عليها ، أي : كان ينبغي أن تستمر على القراءة وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة ، والدليل على طلب دوام القراءة جوابه بأني خفت إن دمت عليها أن يطأ الفرس ولدي ، قوله : " وكان منها أي : وكان يحيى قريبا من الفرس ، قوله : " مثل الظلة " بضم الظاء المعجمة ، شيء مثل الصفة فأول بسحابة تظل .

قوله : " فخرجت " بلفظ المتكلم ، ويروى بلفظ الغائبة ، فقيل : صوابه فعرجت بالعين ، قوله : " دنت " أي : قربت لصوتك وكان حسن الصوت ، وفي رواية الإسماعيلي : اقرأ أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود ، قوله : " ولو قرأت " وفي رواية ابن أبي ليلى : أما إنك لو مضيت ، قوله : " لا تتوارى منهم " أي : لا تستتر من الناس ، وكذا وقع في رواية إبراهيم بن سعد ، وفي رواية ابن أبي ليلى : لرأيت الأعاجيب ، وفيه جواز رؤية بني آدم الملائكة ، فالمؤمنون يرونهم رحمة والكفار عذابا ; لكن بشرط الصلاح وحسن الصوت ، والذي في الحديث إنما نشأ عن قراءة خاصة من سورة خاصة بصفة خاصة ، ولو كان على الإطلاق لحصل ذلك لكل قارئ .

وفيه فضيلة أسيد وفضيلة قراءة سورة البقرة في صلاة الليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية