صفحة جزء
4732 39 - حدثنا هدبة بن خالد أبو خالد ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب ، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة [ ص: 38 ] ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها .


قيل : الحديث في بيان فضل قارئ القرآن ، وليس فيه التعرض إلى ذكر فضل القرآن ، قلت : لما كان لقارئ القرآن فضل كان للقرآن فضل أقوى منه ; لأن الفضل للقارئ إنما يحصل من قراءة القرآن ، فتأتي مطابقة الحديث للترجمة من هذه الحيثية .

وهمام هو ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري .

والحديث فيه رواية تابعي عن صحابي ، ورواية صحابي عن صحابي ، وهي رواية قتادة عن أنس بن مالك ، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري .

وأخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن موسى بن إسماعيل ، وأخرجه مسلم في الصلاة عن هدبة به ، وعن غيره ، وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد به ، وعن عبيد الله بن معاذ ، وأخرجه الترمذي في الأمثال عن قتيبة به ، وأخرجه النسائي في الوليمة وفي فضائل القرآن عن عبيد الله بن سعيد ، وفي الإيمان عن عمرو بن علي ، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار .

قوله : " مثل الذي يقرأ القرآن " إلى آخره ، اعلم أن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف اشتمل على معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد ، ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره ، وإن العباد متفاوتون في ذلك فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير وهو المؤمن القارئ ، ومنهم من لا نصيب له ألبتة وهو المنافق الحقيقي ، ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس وهو المؤمن الذي لم يقرأه ، وإبراز هذه المعاني وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث ، ولم يجد ما يوافقها ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك ; لأن المشبهات والمشبه بها واردة على التقسيم الحاضر ; لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن ، والثاني إما منافق صرف أو ملحق به ، والأول إما مواظب عليها فعلى هذا قس الأثمار المشبه بها ، ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح ، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال ، فإنها من ثمرات النفوس ، فخص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمر بالمؤمن ، وبما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمنافق ، تنبيها على علو شأن المؤمن وارتفاع علمه ودوام ذلك ، وتوقيفا على ضعة شأن المنافق وإحباط عمله وقلة جدواه .

قوله : " مثل الذي يقرأ " فيه إثبات القراءة على صيغة المضارع ، وفي قوله : " لا يقرأ " بالنفي ليس المراد منها حصولها مرة ونفيها بالكلية بل المراد منها الاستمرار والدوام عليها وأن القراءة دأبه وعادته ، وليس ذلك من هجيراه كقولك فلان يقري الضيف ويحمي الحريم ، قوله : " كالأترجة " بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وضم الراء وتشديد الجيم وقد تخفف ، ويروى أترنجة بالنون الساكنة بعد الراء ، وحكى أبو زيد ترنجة وترنج وترج وجه التشبيه بالأترنجة ; لأنها أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان وأجدى لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها والخواص الموجودة فيها ، فمن ذلك كبر جرمها وحسن منظرها وطيب مطعمها ولين ملمسها ، تأخذ الأبصار صبغة ولونا فاقع لونها تسر الناظرين تتوق إليها النفس قبل التناول ، تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها ، طيب نكهة ودباغ معدة وهضم ، واشتراك الحواس الأربع البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها ، ثم إن أجزاءها تنقسم على طبائع قشرها حار يابس ولحمها حار رطب وحماضها بارد يابس وبزرها حار مجفف ، وفيها من المنافع ما هو مذكور في الكتب الطبية ، قوله : " ولا ريح لها " ويروى فيها ، قوله : " ومثل الفاجر " أي : المنافق ، قوله : " كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها " ووقع في الترمذي كمثل الحنظلة طعمها مر وريحها مر ، قيل : الذي عند البخاري أحسن ; لأن الريح لا طعم له إذ المرارة عرض والريح عرض ، والعرض لا يقوم بالعرض ، ووجه هذا بأن ريحها لما كان كريها استعير للكراهة لفظ المرارة لما بينهما من الكراهة المشتركة .

التالي السابق


الخدمات العلمية