صفحة جزء
4906 ( باب هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن )


أي هذا باب في بيان هجر النبي صلى الله عليه وسلم أي إعراضه عنهن وتركهن شهرا وسكناه في غير بيوتهن .

ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه غير أن لا تهجر إلا في البيت ، والأول أصح .

معاوية بن حيدة صحابي مشهور و "حيدة" بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف والدال المهملة المفتوحة ابن معاوية بن حيدة القشيري ، معدود في أهل البصرة ، غزا خراسان ومات بها ، وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية ، قوله : ( ويذكر ) بصيغة التمريض ، قال الكرماني : المذكور لا يهجر إلا في البيت ، ورفعه جملة حالية أي ويذكر عنه : "ولا يهجر إلا في البيت" مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قوله : ( والأول ) أي الهجر في غير البيوت أصح إسنادا من الهجر فيها وفي بعضها غير أن لا يهجر إلا في البيت وحينئذ فاعل يذكر هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن ، أي ويذكر عن معاوية رفعه غير أن لا يهجر ، أي رويت عنه قصة الهجر مرفوعة إلا أنه قال : "أن لا يهجر إلا في البيت" ، وهذا الذي لمحه غلط محض ، فإن معاوية بن حيدة ما روى قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه ولا يوجد هذا في شيء من المسانيد ولا في الأجزاء ، وليس مراد البخاري ما ذكره وإنما مراده حكاية ما ورد في سياق حديث معاوية بن حيدة ، فإن في بعض طرقه : "ولا يقبح ولا يضرب الوجه غير أن لا تهجر إلا في البيت" ، فظن الكرماني أن الاستثناء من تصرف البخاري وليس كذلك ، بل هو حكاية منه عما ورد من لفظ الحديث ، انتهى .

قلت : نسبة الكرماني إلى غلط محض غلط محض منه ، وفيه ترك الأدب وذلك أن الكرماني ما تصرف في هذا الحديث إلا على حسب ما يقتضيه اختلاف الروايتين المذكورتين اللتين ذكرهما ، ومع هذا يحتمل أن يكون معاوية قد روى قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ، فإن باب الرواية واسع جدا ، وقوله : فإن معاوية بن حيدة ما روى قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه ولا يوجد هذا في شيء من المسانيد ولا في الأجزاء دعوى بلا برهان ، وليت شعري كيف يدعي هذه الدعوى وهو لم يحط بما جاء من المسانيد ومن الأجزاء ولا وقف هو على قدر عشر معشار ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن كلام الكرماني إثبات وكلامه نفي والإثبات مقدم لأنه إخبار عن موجود والنفي إخبار عن معدوم .

وقال صاحب التلويح : قول البخاري : ويذكر عن معاوية إلى آخره ، يريد بذلك ما رواه أبو داود قلت : رواه أبو داود في كتاب النكاح في باب حق المرأة على الزوج ، حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا أبو قزعة سويد بن حجير الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال : قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ " قال : أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت " . قال أبو داود : ولا تقبح أي لا تقول قبحك الله ، وقال المهلب : وهذا الذي أشار إليه البخاري لا يكون إلا في غير بيوت الزوجات من [ ص: 191 ] أجل ما فعله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستن الناس بذلك في هجر نسائهم لما فيه من الرفق ; لأن هجرانهن في بيوتهن آلم لقلوبهن وأوجع لما ينظرن من الغضب والإعراض ولما في غيبة الرجل عن أعينهن من تسليتهن عن الرجال ، قال : وهذا الذي أشار إليه ليس بواجب ; لأن الله تعالى أمر بهجرانهن في المضاجع فضلا عن البيوت ، ورد عليه بأن الهجران في غير البيوت أنكى لهن وأبلغ في عقوبتهن ، روى ابن وهب عن مالك بلغني أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه كان يغاضب بعض نسائه فإذا كانت ليلتها بات عندها ولم يبت عند غيرها من غير أن يكلمها ولا ينظر إليها ، قلت : لمالك وذلك له واسع ، فقال : نعم ، وذلك في كتاب الله تعالى : واهجروهن في المضاجع وقيل : الحق في هذا أنه يختلف باختلاف الأحوال فربما يكون الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها وبالعكس ، بل الغالب أن الهجران في غير البيوت أشد ألما للنفوس ، ورب نسوة تتألم بمجرد بيتوتة الرجل في غير بيوتها من غير هجران ولا سيما مع الهجران وهذا ظاهر لا يخفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية