صفحة جزء
515 17 - (حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر، فقام على المنبر، فذكر الساعة، فذكر أن فيها أمورا عظاما، ثم قال: من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل، فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا، فأكثر الناس في البكاء، وأكثر أن يقول سلوني، فقام عبد الله بن حذافة السهمي، فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول سلوني، فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، فسكت، ثم قال: عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط، فلم أر كالخير والشر.


مطابقته للترجمة في قوله: (خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر)، وهذا الإسناد بعينه مضى في كتاب العلم في باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث، ومتن الحديث أيضا مختصرا والزيادة هنا من قوله: (خرج حين زاغت الشمس) إلى قوله: (فقام عبد الله بن حذافة)، وكذا قوله: (ثم قال: عرضت) إلى آخره. قوله: (حين زاغت)؛ أي: حين مالت، وفي رواية الترمذي بلفظ: زالت، وهذا يقتضي أن زوال الشمس أول وقت الظهر؛ إذ لم ينقل عنه أنه صلى قبله، وهذا هو الذي استقر عليه الإجماع.

وقال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن وقت الظهر زوال الشمس. وذكر ابن بطال، عن الكرخي، عن أبي حنيفة: أن الصلاة في أول الوقت تقع نفلا، قال: والفقهاء بأسرهم على خلاف قوله، قلت، ذكر أصحابنا أن هذا قول ضعيف، نقل عن [ ص: 27 ] بعض أصحابنا، وليس منقولا عن أبي حنيفة أن الصلاة في أول الوقت تقع نفلا، والصحيح عندنا أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا، وذكر القاضي عبد الوهاب في الكتاب (الفاخر) فيما ذكره ابن بطال وغيره، عن بعض الناس: يجوز أن يفتتح الظهر قبل الزوال.

وقال شمس الأئمة في (المبسوط): لا خلاف أن أول وقت الظهر يدخل بزوال الشمس إلا شيء نقل عن بعض الناس، أنه يدخل إذا صار الفيء بقدر الشراك، وصلاة النبي - عليه الصلاة والسلام - حين زاغت الشمس دليل على أن ذلك من وقتها. قوله: (فليسأل)؛ أي: فليسألني عنه. قوله: (فلا تسألوني) بلفظ النفي، وحذف نون الوقاية منه جائز. قوله: (إلا أخبرتكم)؛ أي: إلا أخبركم، فاستعمل الماضي موضع المستقبل إشارة إلى تحققه، وأنه كالواقع.

وقال المهلب : إنما خطب النبي - عليه الصلاة والسلام - بعد الصلاة.

وقال هو: سلوني؛ لأنه بلغه أن قوما من المنافقين يسألون منه ويعجزونه عن بعض ما يسألونه فتغيظ.

وقال: لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به. قوله: (فأكثر الناس في البكاء) إنما كان بكاؤهم خوفا من نزول عذاب لغضبه عليه الصلاة والسلام، كما كان ينزل على الأمم عند ردهم على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، والبكاء يمد ويقصر إذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها. قوله: (وأكثر أن يقول)، كلمة أن مصدرية، تقديره: وأكثر النبي - عليه الصلاة والسلام - القول بقوله: سلوني، وأصله اسألوني، فنقلت حركة الهمزة إلى السين، فحذفت واستغني عن همزة الوصل، فقيل: سلوني على وزن فلوني. قوله: (فقام عبد الله بن حذافة)، قال الواقدي: إن عبد الله بن حذافة كان يطعن في نسبه، فأراد أن يبين له ذلك، فقالت له أمه: أما خشيت أن أكون قارفت بعض ما كان يصنع في الجاهلية، أكنت فاضحي عند رسول الله - عليه الصلاة والسلام؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد للحقت به. قوله: (آنفا)؛ أي: في أول وقت يقرب مني، ومعناه هنا الآن، وانتصابه على الظرفية؛ لأنه يتضمن معنى الظرف. قوله: (في عرض هذا الحائط) بضم العين المهملة، يقال: عرض الشيء بالضم: ناحيته من أي وجه جئته. قوله: (فلم أر كالخير)؛ أي: ما أبصرت قط مثل هذا الخير الذي هو الجنة.

وهذا الشر الذي هو النار، أو ما أبصرت شيئا مثل الطاعة والمعصية في سبب دخول الجنة والنار.

التالي السابق


الخدمات العلمية