صفحة جزء
4957 4 - حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الرحمن بن غسيل ، عن حمزة بن أبي أسيد ، عن أبي أسيد رضي الله عنه قال : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوظ ، حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اجلسوا هاهنا . ودخل ، وقد أتي بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها ، فلما دخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : هبي نفسك لي ! قالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ؟ قال : فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن ، فقالت : أعوذ بالله منك ! فقال : قد عذت بمعاذ ! ثم خرج علينا فقال : يا أبا أسيد ، اكسها رازقيين وألحقها بأهلها .


مطابقته للترجمة من حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يواجه الجونية المذكورة في الحديث بقوله " الحقي بأهلك " ، وإنما قال لأبي أسيد " ألحقها بأهلها " ، والترجمة بالاستفهام من غير تعيين شيء من أمر المواجهة وعدمها ، وقد ذكرنا أنه يحتمل الوجهين غير أن ترك المواجهة أرفق وألطف ، وهاهنا المطابقة في ترك المواجهة ، فافهم .

وقال الكرماني : فإن قلت : كيف دل الحديث على الترجمة إذ لا طلاق ، إذ لم يكن ثمة عقد نكاح ، إذ ما وهبت نفسها ! ولم يكن أيضا بالمواجهة إذ قال بعد الخروج " ألحقها بأهلها " ؟ قلت : له - صلى الله عليه وسلم - أن يزوج من نفسه بلا إذن المرأة ووليها ، وكان صدور قوله " هبي نفسك لي " منه لاستمالة خاطرها ، وأما حكاية المواجهة فقد ثبتت في الحديث السابق بقوله " الحقي بأهلك " ، وأمره أبا أسيد بالإلحاق بعد الخروج لا ينافيه بل يعضده . انتهى ، قلت : هذا كله كلام لا طائل تحته ; لأن سؤاله أولا بقوله " إذ لا طلاق " إلى " ولم يكن أيضا بالمواجهة " غير موجه ، لأنه كان من المعلوم قطعا أن الذي ذكره في الجواب من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، فلم يقع سؤاله في محله ، وكذلك قوله " وأما حكاية المواجهة . . . " إلخ غير واقع في محله ، لأن ثبوت المواجهة في الحديث السابق لا يستلزم المواجهة في هذا الحديث ، فكيف يثبت بهذا الكلام المطابقة بين الترجمة والحديث ؟ ومع هذا لم يزد - صلى الله عليه وسلم - في خطابه إياها على قوله " قد عذت بمعاذ " ، ولم [ ص: 231 ] يأمر بالإلحاق إلا لأبي أسيد ، فأين المواجهة لها بذلك ؟

وكذلك قوله " وأمره أبا أسيد بالإلحاق بعد الخروج لا ينافيه " غير صواب ; لأن عدم المنافاة إنما يكون لو قال لها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " الحقي بأهلك ، ثم قال لأبي أسيد : ألحقها بأهلها " ، ولم يكتف بما قال هذه المقالة حتى يقول " بل يعضده " ، وكيف يعضده شيء لم يقله ؟ وهذا عجيب جدا ، ومما يؤكد ما قلناه ما قاله ابن بطال : ليس في هذا أنه واجهها بالطلاق . واعترض عليه بعضهم بأن ذلك ثبت في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أول أحاديث الباب ، فيحمل على أنه قال لها " الحقي بأهلك " ، ثم لما خرج إلى أبي أسيد قال له " ألحقها بأهلها " ، فلا منافاة ; فالأول قصد به الطلاق والثاني أراد به حقيقة اللفظ وهو أن يعيدها إلى أهلها . انتهى ، قلت : يرد هذا الاعتراض بما رددنا به كلام الكرماني ; لأن كلاميهما من وجه واحد ، وأعجب من الكل أن بعضهم نقل كلام الكرماني برمته بطريق الإدماج حيث قال : واعترض بعضهم بأنه لم يتزوجها ، إذ لم يجر ذكر صورة العقد . وساقه مثل ما قاله الكرماني لكن بتغيير العبارة ، ورضي به حيث قال في آخر كلامه : ويؤيده قوله في رواية لابن غسيل أنه اتفق مع أبيها على مقدار صداقها وأن أباها قال له إنها رغبت فيك وحطت إليك . انتهى ، قلت : سبحان الله ! ما أبعد هذا عن المقصود ; لأن الكلام في أمر المواجهة وعدمها ، وقد ذكرنا وجه ذلك من غير تعميق فيما لا ينبغي .

ثم إن البخاري أخرج هذا الحديث عن أبي نعيم ; وهو الفضل بن دكين ، يروي عن عبد الرحمن بن غسيل - بدون الألف واللام في رواية الأكثرين ، وفي رواية النسفي عبد الرحمن بن الغسيل بالألف واللام ، وعبد الرحمن هذا هو ابن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري ، وحنظلة هو غسيل الملائكة ، استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة ، وقصته مشهورة . وعبد الرحمن المذكور نسب إلى جد أبيه ، ولعل الرواية كانت ابن غسيل الملائكة فسقطت لفظة الملائكة وعوضت عنها الألف واللام .

وحمزة بن أبي أسيد - بضم الهمزة وفتح السين - يروي عن أبيه أبي أسيد ، واسمه مالك بن ربيعة بن البدن - بالباء الموحدة والنون ، وقيل البدي بالياء آخر الحروف وهو تصحيف - ابن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الساعدي ، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومات بالمدينة سنة ستين فيما ذكره المدائني ، وهو آخر من مات من البدريين ، والحديث من أفراده .

قوله ( إلى حائط ) هو البستان من النخيل إذا كان عليه جدار .

قوله ( الشوظ ) بفتح الشين المعجمة وسكون الواو ، وفي آخره ظاء معجمة وقيل مهملة ، وهو بستان في المدينة معروف .

قوله ( ودخل ) ; أي إلى الحائط .

قوله ( وقد أتي ) على صيغة المجهول .

قوله ( بالجونية ) نسبة إلى الجون ، قال الكرماني : بضم الجيم . قلت : ليس كذلك ، بل بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون . وقال ابن الأثير : بنو الجون قبيلة من الأزد . وقال الرشاطي : الجون في كندة وفي الأزد ، فالذي في كندة الجون وهو معاوية بن حجر آكل المرار . وساقه إلى كندة ، ثم قال : منهم أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحيل بن كندة ، تزوج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتعوذت منه فطلقها . وقال ابن حبيب : والجونية امرأة من كندة ، وليست بأسماء ، والذي في الأزد الجون بن عوف بن مالك . وقال الكرماني : اسم الجونية أمامة .

قوله ( في بيت في نخل في بيت ) ، كلها بالتنوين .

قوله ( أميمة ) بالرفع بدل عن " الجونية " ، أو عطف بيان لها ، وهي بنت النعمان بن شراحيل - بفتح الشين المعجمة وتخفيف الراء وكسر الحاء المهملة . قوله ( ومعها دايتها ) بالدال المهملة وبعد الألف ياء آخر الحروف المفتوحة وبالتاء المثناة من فوق ، قال : أي ظئرها . وقال بعضهم : الظئر المرضع . قلت : ليس كما قال ، وإنما الداية هي المرأة التي تولد الأولاد وهي القابلة ، وهو لفظ معرب .

قوله ( هبي ) أمر للمؤنث ، من وهب يهب ، وأصله أوهبي ; حذفت الواو تبعا لفعله المضارع واستغنيت عن الهمزة فصارت " هبي " على وزن علي .

قوله ( للسوقة ) بضم السين المهملة ، يقال للواحد من الرعية والجمع ، وإنما قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون له على مراده ، وأما أهل السوق فالواحد منهم يسمى سوقيا . وقال الجوهري : السوقة خلاف الملك ، ولم تعرف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكانت بعد ذلك تسمي نفسها بالشقية .

قوله ( فأهوى بيده ) ; أي أمالها إليها ، ووقع في رواية لابن سعد " فأهوى إليها ليقبلها " .

قوله ( فقالت : أعوذ بالله منك ) ، روى ابن سعد عن هشام بن محمد عن عبد الرحمن بن الغسيل بإسناد حديث الباب أن عائشة وحفصة رضي الله تعالى عنهما دخلتا عليها أول ما قدمت ، فمشطتاها وخضبتاها ، وقالت لها إحداهما : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه من المرأة إذا [ ص: 232 ] دخل عليها أن تقول أعوذ بالله منك !

قوله ( قد عذت بمعاذ ) بفتح الميم ، قال الكرماني : اسم مكان العوذ . قلت : يجوز أن يكون مصدرا ميميا بمعنى العوذ ، والتنوين فيه للتعظيم . وفي رواية ابن سعد " فقال بكمه على وجهه وقال : عذت معاذا - ثلاث مرات " ، وفي رواية أخرى له : آمن عائذ الله .

قوله ( ثم خرج ) ; أي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قوله ( رازقيين ) براء وبعد الألف زاي مكسورة ثم قاف ، على لفظ تثنية صفة موصوفها محذوف ; أي بثوبين رازقيين ، والرازقية ثياب من كتان بيض طوال - قاله أبو عبيدة ، وقيل : يكون في داخل بياضها زرقة . والرازقي الصفيق ، ومعنى " اكسها رازقيين " أعطها ثوبين من ذلك الجنس ، وقال ابن التين : متعها بذلك إما وجوبا وإما تفضلا .

قوله ( وألحقها ) بفتح الهمزة من الإلحاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية