صفحة جزء
520 [ ص: 33 ] 22 - (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها).


قتيبة هو ابن سعيد والليث بن سعد وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري وعروة بن الزبير كلهم قد ذكروا غير مرة.

وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في ثلاثة مواضع، ورواته ما بين بلخي وبصري ومدني.

قوله: (والشمس في حجرتها)؛ أي: باقية، والواو فيه للحال. قوله: (لم يظهر الفيء)؛ أي: الظل في الموضع الذي كانت الشمس فيه، وقد مر في باب المواقيت والشمس في حجرتها قبل أن تظهر، ومعنى الظهور هنا: الصعود. يقال: ظهرت على الشيء: إذا علوته وحجرة عائشة رضي الله تعالى عنها كانت ضيقة الرقعة والشمس تقلص عنها سريعا، وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر قبل أن تصعد الشمس عنها، فإن قلت: ما المراد بظهور الشمس وبظهور الفيء؟ (قلت): المراد بظهور الشمس: خروجها من الحجرة، وبظهور الفيء: انبساطه في الحجرة، وليس بين الروايتين اختلاف؛ لأن انبساط الفيء لا يكون إلا بعد خروج الشمس، واستدل به الشافعي ومن تبعه على تعجيل صلاة العصر في أول وقتها.

وقال الطحاوي : لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار، فلم تكن الشمس تحتجب عنها إلا بقرب غروبها، فيدل على التأخير لا على التعجيل.

وقال بعضهم: وتعقب بأن الذي ذكره من الاحتمال إنما يتصور مع اتساع الحجرة، وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة أن حجر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن متسعة، ولا يكون ضوء الشمس باقيا في قعر الحجرة الصغيرة إلا والشمس قائمة مرتفعة، وإلا متى مالت جدا ارتفع ضوؤها عن قاع الحجرة، ولو كانت الجدر قصيرة، (قلت): لا وجه للتعقب فيه؛ لأن الشمس لا تحتجب عن الحجرة القصيرة الجدار إلا بقرب غروبها، وهذا يعلم بالمشاهدة، فلا يحتاج إلى المكابرة، ولا دخل هنا لاتساع الحجرة ولا لضيقها، وإنما الكلام في قصر جدرها، وبالنظر على هذا فالحديث حجة على من يرى تعجيل العصر في أول وقتها، فإن قلت: عقد البخاري بابا لوقت العصر، وذكر فيه أحاديث لا يدل واحد منها على أن أول وقته بماذا يكون، بصيرورة ظل كل شيء مثله أو مثليه، (قلت): قال بعضهم: لم يقع له حديث في شرطه على تعيين ذلك، فذكر الأحاديث المذكورة الدالة على ذلك بطريق الاستنباط، (قلت): لا يلزم من عدم وقوعه له أن لا يقع لغيره في تعيين ذلك.

وقد روى جماعة من الصحابة في هذا الباب، منهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أمني جبريل عليه الصلاة والسلام عند البيت مرتين، الحديث. وفيه: (صلى بي العصر حين كان ظله مثله) هذا في المرة الأولى.

وقال في الثانية: ( وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه ) أخرجه أبو داود والترمذي . وقال: حديث حسن، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) والحاكم في (مستدركه). وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه ابن خزيمة في صحيحه.

وقال ابن عبد البر في (التمهيد)، وقد تكلم بعض الناس في حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له، ورواته كلهم مشهورون بالعلم، (قلت): هذا الحديث هو العمدة في هذا الباب، وقوله: (حين كان ظله مثليه) بالتثنية، وهذا آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة؛ لأن عنده إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر، وعند أبي يوسف ومحمد: إذا صار ظل كل شيء مثله يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر، وهي رواية الحسن بن زياد عنه، وبه قال مالك والشافعي وأحمد والثوري وإسحاق، ولكن قال الشافعي : آخر وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه لمن ليس له عذر، وأما أصحاب العذر والضرورات فآخر وقتها لهم غروب الشمس.

وقال القرطبي : خالف الناس كلهم أبا حنيفة فيما قاله حتى أصحابه، (قلت): إذا كان استدلال أبي حنيفة بالحديث فما يضره مخالفة الناس له، ويؤيد ما قاله أبو حنيفة حديث علي بن شيبان قال: (قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية) رواه أبو داود وابن ماجه، وهذا يدل على أنه كان يصلي العصر عند صيرورة ظل كل شيء مثليه، وهو حجة على خصمه، وحديث جابر ( صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر حين صار ظل كل شيء مثليه قدر ما يسير الراكب إلى ذي الحليفة العنق ) رواه ابن أبي شيبة بسند لا بأس به.

التالي السابق


الخدمات العلمية