1. الرئيسية
  2. عمدة القاري شرح صحيح البخاري
  3. كتاب الطلاق
  4. باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك
صفحة جزء
باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره


أي : هذا باب في بيان حكم الإغلاق أي الإكراه ; لأن المكره يغلق عليه في أمره ، ويقال كأنه يغلق عليه الباب ويضيق عليه حتى يطلق ، وقيل : لا يطلق التطليقات في دفعة واحدة حتى لا يبقى منه شيء ، لكن يطلق طلاق السنة . وفي المحكم وغيره : احتد فلان فنشب في حدته وغلق . وفي الجامع : غلق إذا غضب غضبا شديدا . ولما ذكر الفارسي في كتابه مجمع الغرائب قول من قال الإغلاق الغضب قال : هذا غلط ; لأن أكثر طلاق الناس في الغضب ، إنما هو الإكراه .

وأخرج أبو داود حديث عائشة " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " ، قال أبو داود : الغلاق أظنه الغضب . وترجم على الحديث " الطلاق على غيظ " ، ووقع عنده بغير ألف في أوله .

وحكى البيهقي أنه روي بالوجهين ; فوقع عند ابن ماجه في هذا الحديث " الإغلاق " بالألف وترجم عليه طلاق المكره ، وقال ابن المرابط : الإغلاق حرج النفس ، وليس يقع على أن مرتكبه فارق عقله حتى صار مجنونا فيدعى أنه كان في غير عقله ، ولو جاز هذا لكان لكل واحد من خلق الله عز وجل ممن يجوز عليه الحرج أن يدعي في كل ما جناه أنه كان في حال إغلاق فتسقط عنه الحدود وتصير الحدود خاصة لا عامة لغير الحرج . وقال ابن بطال : فإذا ضيق على المكره وشدد عليه لم يقع حكم طلاقه ، فكأنه لم يطلق . وفي مصنف ابن أبي شيبة أن الشعبي كان يرى طلاق المكره جائزا ، وكذا قاله إبراهيم وأبو قلابة وابن المسيب وشريح ، وقال ابن حزم : وصح أيضا عن الزهري وقتادة وسعيد بن جبير . وبه أخذ أبو حنيفة وأصحابه ، وروى الفرج بن فضالة عن عمرو بن شراحيل أن امرأة أكرهت زوجها على طلاقها فطلقها ، فرفع ذلك إلى عمر فأمضى طلاقها . وعن ابن عمر نحوه ، وكذا عن عمر بن عبد العزيز ، وأما من لم يره شيئا فعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب والضحاك ، قال ابن حزم : وصح أيضا عن طاوس وجابر بن زيد . قال : وهو قول مالك والأوزاعي والحسن بن حيي والشافعي وأبي سليمان وأصحابهم ، وعن إبراهيم تفصيل آخر وهو أنه إن ورى المكره لم يقع وإلا وقع ، وقال الشعبي : إن أكرهه اللصوص وقع ، وإن أكرهه السلطان فلا - أخرجه ابن أبي شيبة .

قوله ( والكره ) بضم الكاف وسكون الراء في النسخ كلها ، وهو بالجر ، ظاهره أنه عطف على قوله " في الإغلاق " ، لكن هذا لا يستقيم إلا إذا فسر الإغلاق بالغضب كما فسره أبو داود وترجم عليه بقوله " الطلاق على غيظ " ، ولكن في روايته " الغلاق " بدون الألف في أوله ، وقد فسروه أيضا مع وجود الألف في أوله بالغضب ولكن إن قدر قبل الكاف ميم لأنه [ ص: 251 ] عطف عليه لفظ " السكران " فيستقيم الكلام ويكون المعنى : باب حكم الطلاق في الإغلاق وحكم المكره والسكران - إلى آخره .

فهذه الترجمة تشتمل على أحكام لم يذكرها اكتفاء بالحديث الذي ذكره .

أما حكم الطلاق في الغضب فإنه يقع ، وفي رواية عن الحنابلة أنه لا يقع ، قيل : وأراد البخاري بذلك الرد على مذهب من يرى أن الطلاق في الغضب لا يقع .

وأما حكم الإكراه فقد مر .

وأما طلاق السكران هل يقع أم لا ؟ فإن الناس اختلفوا فيه ; فممن قال إنه لا يقع عثمان بن عفان وجابر بن زيد وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم وعمر بن عبد العزيز - ذكره ابن أبي شيبة ، وزاد ابن المنذر : عن ابن عباس وربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره الطحاوي . وذهب مجاهد إلى أن طلاقه يقع ، وكذا قاله محمد والحسن وسعيد بن المسيب وإبراهيم بن يزيد النخعي وميمون بن مهران وحميد بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار والزهري والشعبي وسالم بن عبد الله والأوزاعي والثوري ، وهو قول مالك وأبي حنيفة ، واختلف فيه قول الشافعي فأجازه مرة ومنعه أخرى ، وألزمه مالك الطلاق والقود من الجراح ومن القتل ولم يلزمه النكاح والبيع . وقال الكوفيون : أقوال السكران وعقوده كلها ثابتة كفعل الصاحي إلا الردة ، فإذا ارتد لا تبين امرأته استحسانا . قال أبو يوسف : يكون مرتدا في حال سكره - وهو قول الشافعي - إلا أنا لا نقتله في حال سكره ولا نستتيبه .

وأما المجنون فالإجماع واقع على أن طلاق المجنون والمعتوه واقع ، وقال مالك : وكذلك المجنون الذي يفيق أحيانا يطلق في حال جنونه ، والمبرسم قد رفع عنه القلم لغلبة العلم بأنه فاسد المقاصد .

وأما حكم طلاق الغالط أو الناسي فإنه واقع ، وهو قول عطاء والشافعي في قول وإسحاق ومالك والثوري وابن أبي ليلى والأوزاعي والكوفيين ، وعن الحسن أن الناسي كالعامد إلا أنه اشترط فقال : إلا إن أنسي .

وأما المخطئ فذهب الجمهور إلى أنه لا يقع طلاقه ، وعند الحنفية إذا أراد رجل أن يقول لامرأته شيئا فسبق لسانه فقال أنت طالق يلزمه الطلاق .

قوله ( وأمرهما ) ; أي أمر السكران والمجنون ، أي في بيان أمرهما من أقوالهما وأفعالهما هل حكمهما واحد أو مختلف على ما يجيء .

قوله ( والغلط والنسيان ) ; أي وفي بيان الغلط والنسيان الحاصلين في الطلاق ، أراد أنه لو وقع من المكلف ما يقتضي الطلاق غلطا أو نسيانا .

قوله ( والشرك ) ; أي وفي بيان الشرك لو وقع من المكلف ما يقتضي الشرك غلطا أو نسيانا هل يحكم عليه به ؟ وقال صاحب التوضيح : وقع في كثير من النسخ " والنسيان في الطلاق والشرك " بكسر الشين المعجمة وسكون الراء ، فهو خطأ ; والصواب " في الشك " مكان " الشرك " . قلت : سبقه بهذا ابن بطال حيث قال : وقع في كثير من النسخ " والنسيان في الطلاق والشرك " وهو خطأ ; والصواب " والشك مكان الشرك " .

وأما طلاق المشرك فجاء عن الحسن وقتادة وربيعة أنه لا يقع ، ونسب إلى مالك وداود ، وذهب الجمهور إلى أنه يقع كما يصح نكاحه وعتقه وغير ذلك من أحكامه .

قوله ( وغيره ) ، قال بعضهم : أي وغير الشرك مما هو دونه . قلت : ليس معناه كذا ، وإنما المعنى وغير المذكور من الأشياء المذكورة نحو الخطإ وسبق اللسان والهزل ، وقد ذكرنا الآن حكم الخطإ وسبق اللسان .

وأما حكم الهازل في طلاقه ونكاحه ورجعته فإنه يؤخذ به ولا يلتفت إلى قوله كنت هازلا ، ولا يدين أيضا فيما بينه وبين الله تعالى ، وذلك لما روى الترمذي من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

واعلم أنه ذكر هذه الأشياء ولم يذكر ما الجواب فيها اكتفاء بقوله :

التالي السابق


الخدمات العلمية