صفحة جزء
4981 باب قول الله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم


أي : هذا باب في قول الله تعالى : ولا تنكحوا المشركات وهذا المقدار في رواية الأكثرين ، وفي رواية كريمة إلى قوله : ولو أعجبتكم وإنما ذكر هذه الآية الكريمة توطئة للأحاديث التي ذكرها في هذا الباب ، وفي البابين اللذين بعده وإنما لم ينبه على المقصود من إيرادها للاختلاف القائم فيها ، وقد أخذ ابن عمر بعموم قوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن حتى كره نكاح [ ص: 270 ] أهل الكتاب ، وأشار إليه البخاري بإيراد حديثه في هذا الباب ، وعن ابن عباس : أن الله تعالى استثنى من ذلك نساء أهل الكتاب ، فخصت هذه الآية بالآية التي في المائدة وهي قوله عز وجل : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فنكح الناس نساء أهل الكتاب ، ونكح جماعة من الصحابة نساء نصرانيات ولم يروا بذلك بأسا ، وقال أبو عبيد : وبه جاءت الآثار ، وعن الصحابة والتابعين وأهل العلم بعدهم أن نكاح الكتابيات حلال وبه قال مالك والأوزاعي والثوري والكوفيون والشافعي وعامة العلماء ، وقال غيره : ولا يروى خلاف ذلك إلا عن ابن عمر ، فإنه شذ عن جماعة الصحابة والتابعين ولم يجز نكاح اليهودية والنصرانية ، وخالف ظاهر قوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ولم يلتفت أحد من العلماء إلى قوله ، وقد تزوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهي نصرانية ، تزوجها على نسائه ، وتزوج طلحة بن عبيد الله يهودية ، وتزوج حذيفة يهودية ، وعنده حرتان مسلمتان ، وعنه إباحة نكاح المجوسية ، وتأول قوله تعالى : ولأمة مؤمنة خير من مشركة على أن هذا ليس بلفظ التحريم ، وقيل : بني على أن لهم كتابا .

( فإن قلت ) روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس ، عن الصلت ، عن شقيق بن سلمة قال : تزوج حذيفة يهودية ، ومن طريق أخرى : وعنده عربيتان ، فكتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه أن خل سبيلها .

( قلت ) : أرسل حذيفة إليه أحرام هي ؟ فكتب إليه عمر لا ، ولكن أخاف أن يتواقع المؤمنات منهن - يعني : الزواني منهن ، وقال أبو عبيد : والمسلمون اليوم على الرخصة في نساء أهل الكتاب ، ويرون أن التحليل ناسخ للتحريم .

( قلت ) : فدل هذا على أن قوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات منسوخ بقوله تعالى : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب وروي أيضا عن ابن عباس أنه قال : إن آية البقرة منسوخة بآية المائدة ، وقيل : المراد بقوله : ولا تنكحوا المشركات يعني من عبدة الأوثان ، وقال ابن كثير في ( تفسيره ) : والمحصنات من المؤمنات قيل : الحرائر دون الإماء ، والظاهر أن المراد بالمحصنات العفائف عن الزنا ، كما قال في آية أخرى : محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ثم اختلف المفسرون أنه : هل يعم كل كتابية عفيفة سواء كانت حرة أو أمة ، فقيل : الحرائر العفيفات ، وقيل : المراد بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات ، وهو مذهب الشافعي ، وقيل : المراد بذلك الذميات دون الحربيات ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية