صفحة جزء
4984 باب قول الله تعالى : للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر إلى قوله : سميع عليم


وفي رواية كريمة من لفظ باب إلى سميع عليم وفي رواية الأكثرين إلى قوله : تربص أربعة أشهر وفي بعض النسخ باب الإيلاء ، وقوله تعالى : للذين يؤلون الآية ، الإيلاء في اللغة الحلف يقال : آلى يولي إيلاء حلف .

قوله : تربص أربعة أشهر مبتدأ وقوله : للذين يؤلون خبره أي : للذين يحلفون على ترك الجماع من نسائهم تربص أي : انتظار أربعة أشهر من حين الحلف ثم يوقف ويطالب بالفيئة أو الطلاق ، ولهذا قال : فإن فاءوا أي : رجعوا إلى ما كانوا عليه وهو كناية عن الجماع ، قاله ابن عباس ومسروق والشعبي وسعيد بن جبير وغير واحد منهم ابن جرير فإن الله غفور رحيم أي : لما سلف من التقصير في حقهن بسبب اليمين ، وفي قوله تعالى : فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم دلالة لأحد قولي العلماء وهو القول القديم للشافعي : إن المولي إذا فاء بعد الأربعة أشهر أنه لا كفارة عليه ، وفي التفسير فإن فاءوا أي : في الأشهر بدليل قراءة عبد الله : " فإن فاءوا فيهن " .

واعلم أن الكلام هاهنا في مواضع :

الأول : الإيلاء المذكور في قوله : للذين يؤلون ما هو ؟ وهو الحلف على ترك قربان امرأته أي : وطئها أربعة أشهر وأكثر منها كقوله لامرأته : والله لا أقربك أربعة أشهر أو لا أقربك ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ، ويروى عن عطاء ، وقال ابن المنذر : أكثر أهل العلم قالوا : لا يكون الإيلاء أقل من أربعة أشهر ، قال ابن عباس : كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر ، فوقت لهم أربعة أشهر ، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء ، قالت طائفة : إذا حلف لا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأها أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء ، روي هذا عن ابن مسعود [ ص: 275 ] والنخعي وابن أبي ليلى والحكم ، وبه قال إسحاق ، وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور : الإيلاء أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر ، فإن حلف على أربعة أشهر أو فما دونها لم يكن موليا ، وهذا عندهم يمين مخفي لو وطئ في هذا اليمين حنث ولزمته الكفارة ، وإن لم يطأ حتى انقضت المدة لم يكن عليه شيء كسائر الأيمان ، وقال ابن المنذر : روي عن ابن عباس لا يكون موليا حتى يحلف أن لا يطأها أبدا .

الموضع الثاني في حكم الإيلاء : وهو أنه إن وطئها في الأربعة الأشهر كفر لأنه حنث في يمينه ، وإن لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر بانت المرأة منه بتطليقة واحدة وهو قول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وبه قال ابن سيرين ومسروق والقاضي والقاسم وسالم والحسن وقتادة وشريح القاضي وقبيصة بن ذؤيب والحسن بن صالح ، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ، وعند سعيد بن المسيب ومكحول وربيعة والزهري ومروان بن الحكم يقع تطليقة رجعية ، وذكر البخاري عن ابن عمر أن المولي يوقف حتى يطلق ، وقال مالك : كذلك الأمر عندنا ، وبه قال الليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، فإن طلق فهي واحدة رجعية إلا أن مالكا قال : لا تصح رجعته حتى يطأ في العدة ولا يعلم أحد قاله غيره .

والموضع الثالث : في أن الإيلاء لا يصح إلا باسم الله تعالى أو بشيء يتحقق به اليمين كما لو حلف بحج بأن قال : إن قربتك فلله علي حجة ، أو بصوم بأن قال : إن قربتك فلله علي صوم شهر ، أو صدقة بأن قال : إن قربتك فلله علي أن أتصدق بمائة درهم مثلا ، أو عتق بأن قال : إن قربتك فلله علي عتق رقبة أو فعبدي حر ، فهو مول بهذه الأشياء عند أبي حنيفة وأبي يوسف بخلاف الحلف بالصلاة أو الغزو ، وعند محمد يكون موليا فيهما أيضا لأنه قربة وهو قول أبي يوسف أولا ، وفي عتق العبد المعين خلاف لأبي يوسف ، وقال ابن حزم : ومن حلف في ذلك بطلاق أو عتق أو صوم أو صدقة أو مشي أو غير ذلك فليس بمول وعليه الأدب ، وفي ( الروضة ) للشافعية : هل يختص الإيلاء باليمين بالله وصفاته ؟ فيه قولان : القديم نعم والجديد الأظهر لا ، بل إذا قال : إن وطئتك فعلي صوم أو صلاة أو حج أو فعبدي حر أو فأنت طالق أو فضرتك طالق أو نحو ذلك كان موليا ، وفي ( الجواهر ) للمالكية المحلوف به هو الله تعالى أو صفة من صفاته النفسية المعنوية أو ما فيه التزام من عتق أو طلاق أو لزوم صدقة أو صوم أو نحوه علق بالوطء ، كل ذلك إيلاء ، وفي ( الحاوي ) في فقه أحمد الإيلاء بحلفه بالله أو باسمه أو بصفته ، فإن حلف بعتق أو طلاق أو نذر أو ظهار أو تحريم مباح أو يمين أخرى فروايتان ، وعنه لا ينعقد بغير يمين مكفرة .

الموضع الرابع : أن إيلاء الذمي منعقد عند أبي حنيفة خلافا لهما ولمالك وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وأحمد وفي ( الروضة ) : سواء في صحة الإيلاء العبد والأمة والكافر وأضدادهم ، ولا ينحل الإيلاء بإسلام الكافر ، وإذا ترافع إلينا ذميان وقد آلى أوجبنا الحكم وإن لم نوجبه لم يجبر الحاكم الزوج على الفيئة ولا الطلاق ولا يطلق عليه بل لا بد من رضاه ، وقال أحمد فيما حكى عنه الخلال في ( علله ) يروى عن الزهري أنه كان يقول : إيلاء العبد شهران ، وقال ابن حزم : وصح عن عطاء أنه قال : لا إيلاء للعبد دون سيده وهو شهران ، وبه قال الأوزاعي والليث ومالك وإسحاق ، وقالت طائفة : الحكم في ذلك للنساء فإن كانت أمة فلزوجها الحر والعبد عليها شهران ، وهو قول إبراهيم وقتادة والحسن والحكم والشعبي والضحاك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه ، وقالت طائفة : إيلاء الحر والعبد من الزوجة الحرة والأمة سواء وهو أربعة أشهر وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور وأبي سليمان وأصحابهم .

الموضع الخامس : أنها تعتد بثلاث حيض ، قاله مسروق وشريح وعطاء ، قال ابن عبد البر : كل الفقهاء فيما علمت يقولون : إنها تعتد بعد الطلاق عدة المطلقة إلا جابر بن زيد فإنه يقول : لا تعتد يعني : إذا كانت حاضت ثلاث حيض في الأربعة الأشهر ، وقال بقوله طائفة ، وكان الشافعي يقول به في القديم ثم رجع عنه ، وقد روي عن ابن عباس نحوه .

الموضع السادس : في حكم الفيء للعاجز قال أصحابنا : وإن عجز المولي عن وطئها بسبب مرضه أو مرضها أو بسبب الرتق وهو انسداد فم الرحم بلحمة أو عظمة أو نحوهما أو بسبب الصفراء أو لبعد مسافة بينهما ففيؤه أن يقول : فئت إليها بشرط أن يكون عاجزا من وقت الإيلاء إلى أن تمضي أربعة أشهر حتى لو آلى منها وهو قادر ، ثم عجز عن الوطء بعد ذلك لمرض أو بعد مسافة أو حبس أو أسر أو جب أو نحو ذلك أو كان عاجزا حين آلى وزال العجز في المدة لم يصح فيؤه باللسان ، وقال الشافعي : لا يصح الفيء باللسان أصلا ، وإليه ذهب الطحاوي وأحمد وتحرير مذهب [ ص: 276 ] الشافعي ما ذكره في ( الروضة ) إذا وجد مانع من الجماع بعد مضي المدة المحسوبة نظر أهو فيها أم في الزوج ؟ فإن كان فيها بأن كانت مريضة لا يمكن وطؤها ، أو محبوسة لا يمكن الوصول إليها ، أو حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة أو معتكفة لم يثبت لها الفيئة بالمطالبة لا فعلا ولا قولا ، وإن كان المانع فيه فهو طبيعي وشرعي ، فالطبيعي أن يكون مريضا لا يقدر على الوطء أو يخاف منه زيادة العلة أو بطء البرء ، فيطالب بالفيئة باللسان أو بالطلاق إن لم يف ، والفيئة باللسان أن يقول : إذا قدرت فئت ، واعتبر الشيخ أبو حامد أن يقول مع ذلك ندمت على ما فعلت ، وإن كان محبوسا ظلما فكالمريض ، وإن حبس في دين يقدر على وفائه أمر بالأداء ، والفيئة بالوطء أو الطلاق ، وأما الشرعي فكالصوم والإحرام والظهار قبل التكفير ففيه وجهان : أحدهما : وهو الأصح يطالب بالطلاق ، والآخر : يقنع منه بفيئة اللسان ، ومذهب أحمد إن كان العذر بالرجل طويلا أو عجز عن الوطء شرعا أو حسا فاء نطقا ، وإن كان مظاهرا لم يطأ حتى يكفر ، ومذهب مالك لا مطالبة للمريضة التي لا تتحمل الجماع ولا للرتقاء ولا للحائض حالة الحيض ، وإن كان للرجل مانع طبيعي كالمرض فلها مطالبته بالوعد والفيئة باللسان ، وتكفير اليمين وإن كان شرعيا كالظهار والصوم والإحرام فليس لها المطالبة وعليه أن يطلق إلا أن يقضي بالوطء ، وقيل : لا يصح بالوطء المحرم ، وقال ابن القاسم : إذا آلى وهي صغيرة لا يجامع مثلها لم يكن موليا حتى تبلغ الوطء ثم يوقف بعد مضي أربعة أشهر منذ بلغت الوطء ، قال : ولا يوقف الخصي بل إنما يوقف من قدر على الجماع ، وقال الشافعي : إذا لم يبق للخصي ما ينال به من المرأة ما يناله الصحيح بمغيب الحشفة فهو كالمجبوب فاء بلسانه ولا شيء عليه ، وقال في موضع آخر : لا إيلاء على مجبوب واختاره المزني ، وقال أبو حنيفة : ولو كان أحدهما محرما بالحج وبينه وبين وقت الحج أربعة أشهر لم يكن فيؤه إلا بالجماع ، وكذا المحبوس ، وقال زفر : فيؤه بالقول ، وقال الشافعي : إذا آلى وهي بكر ، وقال : لا أقدر على افتضاضها أجل أجل العنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية