صفحة جزء
4987 باب الإشارة في الطلاق والأمور


أي : هذا باب في بيان حكم الإشارة في الطلاق ، وقال ابن التين : أراد الإشارة التي يفهم منها الطلاق من الصحيح والأخرس ، وقال المهلب : الإشارة إذا فهمت يحكم بها وأوكد ما أتى بها من الإشارة ما حكم به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في أمر السوداء حين قال لها : أين الله ؟ فأشارت إلى السماء فقال : أعتقها فإنها مؤمنة ، فأجاز الإسلام بالإشارة الذي هو أصل الديانة ، وحكم بإيمانها كما يحكم بنطق من يقول ذلك ، فيجب أن تكون الإشارة عامة في سائر الديانات وهو قول عامة الفقهاء ، وقال مالك : الأخرس إذا أشار بالطلاق يلزمه ، وقال الشافعي في الرجل يمرض فيختل لسانه فهو كالأخرس في الطلاق [ ص: 285 ] والرجعة ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن كانت إشارته تعرف في طلاقه ونكاحه وبيعه فهو جائز عليه ، وإن كان يشك فيه فهو باطل ، وقال : وليس ذلك بقياس وإنما هو استحسان ، والقياس في هذا كله باطل لأنه لا يتكلم ولا تعقل إشارته ، وقال ابن المنذر : وفي ذلك إقرار من أبي حنيفة أنه حكم بالباطل لأن القياس عنده حق ، فإذا حكم بضده وهو الاستحسان فقد حكم بضد الحق ، وفي إظهار القول بالاستحسان وهو ضد القياس دفع منه للقياس الذي هو عنده حق . انتهى .

( قلت ) : هذا كلام من لا يفهم دقائق الأحكام مع المكابرة والجرأة على مثل الإمام الأعظم الذي انتشى في خير القرون ، وقول أبي حنيفة : القياس في هذا باطل هل يستلزم بطلان الأقيسة كلها ، وليس الاستحسان ضد القياس بل هو نوع منه لأن القياس على نوعين جلي وخفي ، والاستحسان قياس خفي ، ومن لا يدري هذا كيف يتحدث بكلام فيه افتراء وجرأة بغير حق ، وكذلك ابن بطال الذي أطلق لسانه في أبي حنيفة بوجه باطل حيث قال : حاول البخاري بهذا الباب الرد على أبي حنيفة لأنه صلى الله عليه وسلم حكم بالإشارة في هذه الأحاديث ، وأشار به إلى أحاديث الباب ، ثم نقل كلام ابن المنذر ثم قال : وإنما حمل أبا حنيفة على قوله هذا لأنه لم يعلم السنن التي جاءت بجواز الإشارات في أحكام مختلفة . انتهى .

( قلت ) : هذا الذي قاله قلة أدب ، فمن قال : إن أبا حنيفة لم يعلم هذه السنن ومن نقل عنه أنه لم يجوز العمل بالإشارة ، وهذه كتب أصحابه ناطقة بجواز ذلك كما نبهنا على بعض شيء من ذلك ، وقال أصحابنا : إشارة الأخرس وكتابته كالبيان باللسان فيلزمه الأحكام بالإشارة والكتابة حتى يجوز نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه وغير ذلك من الأحكام بخلاف معتقل اللسان ، يعني : الذي حبس لسانه ، فإن إشارته غير معتبرة لأن الإشارة لا تنبئ عن المراد إلا إذا طالت وصارت معهودة كالأخرس ، وقدر التمرتاشي الامتداد بالسنة ، وعن أبي حنيفة أن العقلة إن دامت إلى وقت الموت يجعل إقراره بالإشارة ، ويجوز الإشهاد عليه قالوا : وعليه الفتوى ، وفي ( المحيط ) ولو أشار بيده إلى امرأة وقال : زينب أنت طالق ، فإذا هي عمرة طلقت عمرة لأنه أشار وسمى ، فالعبرة للإشارة لا للتسمية .

قوله : " والأمور " أي الأمور الحكمية وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية