صفحة جزء
5015 [ ص: 307 ] باب قصة فاطمة بنت قيس .


أي : هذا باب في بيان قصة فاطمة بنت قيس ، لم يذكر لفظ باب في رواية الأكثرين ، ولبعضهم ذكر لفظ باب ، وعليه مشى ابن بطال وفاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر القرشية الفهرية أخت الضحاك بن قيس ، يقال : إنها كانت أكبر منه بعشر سنين ، وكانت من المهاجرات الأول ، وكانت ذات جمال وعقل وكمال ، وفي بيتها اجتمعت أصحاب الشورى عند قتل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وخطبوا خطبتهم المأثورة ، وقال الزبير : وكانت امرأة بخودا والبخود النبيلة ، قال أبو عمر : روى عنها الشعبي وأبو سلمة ، وأما الضحاك بن قيس فإنه كان من صغار الصحابة ، وقال أبو عمر : يقال : إنه ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبع سنين أو نحوها ، وينقون سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وكان على شرطة معاوية ثم صار عاملا له على الكوفة بعد زياد ، وولاه عليها معاوية سنة ثلاث وخمسين ، وعزله سنة سبع وخمسين ، وولى مكانه عبد الرحمن بن أم الحكم ، وضمه إلى الشام فكان معه إلى أن مات معاوية فصلى عليه وقام بخلافته حتى قدم يزيد بن معاوية ، فكان معه إلى أن مات يزيد ومات بعده ابنه معاوية بن يزيد ، ووثب مروان على بعض أهل الشام وبويع له ، فبايع الضحاك بن قيس أكثر أهل الشام لابن الزبير ، وعاد إليه فاقتتلوا فقتل الضحاك بن قيس بمرج راهط للنصف من ذي الحجة سنة أربع وستين ، روى عنه الحسن البصري وتميم بن طرفة ومحمد بن سويد الفهري وميمون بن مهران وسماك بن حرب .

وأما قصة فاطمة بنت قيس فقد رويت من وجوه صحاح متواترة ، وقال مسلم في ( صحيحه ) باب المطلقة ثلاثا : لا نفقة لها ، ثم روى قصتها من طرق متعددة :

فأول ما روى : حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك ، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمر بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب ، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته ، فقال : والله ما لك علينا من شيء ، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : ليس لك عليه نفقة ، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال : تلك امرأة يغشاها أصحابي ، اعتدي عند ابن أم مكتوم ، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ، فإذا حللت فآذنيني ، قالت : فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، انكحي أسامة بن زيد فكرهته ، ثم قال : انكحي أسامة فنكحته ، فجعل الله فيه خيرا واغتبطت .

وفي رواية أخرى : لا نفقة لك ولا سكنى .

وفي رواية : لا نفقة لك ، فانتقلي فاذهبي إلى ابن أم مكتوم فكوني عنده .

وفي رواية أبي بكر بن أبي الجهم قال : سمعت فاطمة بنت قيس تقول : أرسل إلي زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة عياش بن أبي ربيعة بطلاقي ، وأرسل معه بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير ، فقلت : أما لي نفقة إلا هذا وألا أعتد في منزلكم ؟ قال : لا ، قالت : فشددت علي ثيابي وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كم طلقك ؟ قلت : ثلاثا ، قال : صدق ليس لك نفقة ، اعتدي في بيت ابن عمك ابن أم مكتوم . الحديث .

وأخرج الطحاوي حديث فاطمة بنت قيس هذه من ستة عشر طريقا كلها صحاح :

منها ما قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى قال : حدثنا أبو سلمة قال : حدثتني فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص المخزومي طلقها ثلاثا ، فأمر لها بنفقة فاستقلتها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه نحو اليمن ، فانطلق خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في نفر من بني مخزوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت ميمونة فقال : يا رسول الله إن أبا عمرو بن حفص طلق فاطمة ثلاثا ، فهل لها من نفقة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس لها نفقة ولا سكنى ، وأرسل إليها أن تنتقل إلى أم شريك ثم أرسل إليها أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون فانتقلي إلى ابن أم مكتوم ، فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك .

ثم العلماء اختلفوا في هذا الباب في فصلين :

الأول : أن المطلقة ثلاثا لا تجب لها النفقة ولا السكنى عند قوم إذا لم تكن حاملا واحتجوا بالأحاديث المذكورة وهم : الحسن البصري وعمرو بن دينار وطاوس وعطاء بن أبي رباح وعكرمة والشعبي وأحمد وإسحاق وإبراهيم في رواية وأهل الظاهر ، وقال قوم : لها النفقة والسكنى حاملا أو غير حامل وهم : حماد وشريح والنخعي والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ، وهو مذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما .

[ ص: 308 ] وقال قوم : لها السكنى بكل حال والنفقة إذا كانت حاملا وهم : عبد الرحمن بن مهدي ومالك والشافعي وأبو عبيدة ، واحتج أصحابنا فيما ذهبوا إليه بأن عمر وعائشة وأسامة بن زيد ردوا حديث فاطمة بنت قيس وأنكروه عليها وأخذوا في ذلك بما رواه الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال : لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة وهمت أو نسيت ، وكان عمر يجعل لها النفقة والسكنى . وروى مسلم : حدثنا أبو أحمد ، حدثنا عمار بن زريق ، عن أبي إسحاق قال : كنت مع الأسود بن يزيد جالسا في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي ، فحدث الشعبي حديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة ، ثم أخذ الأسود كفا من حصا فحصبه به فقال : ويلك تحدث بمثل هذا ؟ قال عمر رضي الله تعالى عنه : لا نترك كتاب الله وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري حفظت أو نسيت ، لها السكنى والنفقة ، قال الله تعالى : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وأخرجه أبو داود ولفظه : لا ندري أحفظت أو لا ، وأخرجه النسائي ولفظه : قال عمر لها : إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة .

الفصل الثاني : في حكم خروج المبتوتة بالطلاق من بيتها في عدتها ، فمنعت من ذلك طائفة ، روي ذلك عن ابن مسعود وعائشة وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار ، وقالوا : تعتد في بيت زوجها حيث طلقها ، وحكى أبو عبيد هذا القول عن مالك والثوري والكوفيين ، وأنهم كانوا يرون أن لا تبيت المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إلا في بيتها ، وفيه قول آخر أن المبتوتة تعتد حيث شاءت ، روي ذلك عن ابن عباس وجابر وعطاء وطاوس والحسن وعكرمة ، وكان مالك يقول : المتوفى عنها زوجها تزور وتقيم إلى قدر ما يهدأ الناس بعد العشاء ثم تنقلب إلى بيتها وهو قول الليث والشافعي وأحمد ، وقال أبو حنيفة : تخرج المتوفى عنها نهارا ولا تبيت إلا في بيتها ولا تخرج المطلقة ليلا ولا نهارا ، قال محمد : لا تخرج المطلقة ولا المتوفى عنها زوجها ليلا ولا نهارا في العدة ، وقام الإجماع على أن الرجعية تستحق السكنى والنفقة إذ حكمها حكم الزوجات في جميع أمورها .

التالي السابق


الخدمات العلمية