صفحة جزء
5505 61 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلت أهابه، فنزل يوما منزلا، فدخل الأراك، فلما خرج سألته، فقال: عائشة وحفصة، ثم قال: كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله، رأينا لهن بذلك علينا حقا من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا، وكان بيني وبين امرأتي كلام، فأغلظت لي، فقلت لها: وإنك لهناك؟ قالت: تقول هذا لي وابنتك تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأتيت حفصة، فقلت لها: إني أحذرك أن تعصي الله ورسوله، وتقدمت إليها في أذاه، فأتيت أم سلمة، فقلت لها، فقالت: أعجب منك يا عمر، قد دخلت في أمورنا، فلم يبق إلا أن تدخل بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه، فرددت، وكان رجل من الأنصار إذا غاب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدته، أتيته بما يكون، وإذا غبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد، أتاني بما يكون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد استقام له، فلم يبق إلا ملك غسان بالشأم، كنا نخاف أن يأتينا، فما شعرت إلا بالأنصاري، وهو يقول: إنه قد حدث أمر. قلت له: وما هو؟ أجاء الغساني؟ قال: أعظم من ذاك، طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه، فجئت، فإذا البكاء من حجرهن كلها، وإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صعد في مشربة له، وعلى باب المشربة وصيف، فأتيته، فقلت: استأذن لي. فأذن لي، فدخلت، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - على حصير قد أثر في جنبه، وتحت رأسه مرفقة من أدم حشوها ليف، وإذا أهب معلقة وقرظ، فذكرت الذي قلت لحفصة [ ص: 20 ] وأم سلمة، والذي ردت علي أم سلمة، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلبث تسعا وعشرين ليلة، ثم نزل.


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: " فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - على حصير" إلى قوله: " ليف".

والحديث مضى مطولا جدا في المظالم في باب الغرفة والعلية، ومضى أيضا في التفسير في سورة التحريم; فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله، عن سليمان بن بلال، عن يحيى، عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس إلى آخره، ومضى في النكاح أيضا وسيجيء أيضا في خبر الواحد، ومضى الكلام فيه في المظالم.

قوله: " تظاهرتا"؛ أي: تعاضدتا وهما عائشة وحفصة.

قوله: " فدخل في الأراك" بفتح الهمزة وتخفيف الراء، وهو الشجر المالح المرأى دخل بينهما لقضاء الحاجة.

قوله: " فأغلظت لي"، ويروى: " علي".

قوله: " وإنك لهناك"؛ أي: إنك في هذا المقام ولك جرأة أن تغلظي علي.

قوله: " أن تعصي الله"، ويروى: " أن تغضبي" من الإغضاب.

قوله: " وتقدمت إليها في أذاه"؛ أي: تقدمت إليها أولا قبل الدخول على غيرها في قصة أذى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وشأنه، أو تقدمت إليها في أذى شخصها وإيلام بدنها بالضرب ونحوه.

قوله: " فأتيت أم سلمة" وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمها هند، وإنما أتاها عمر رضي الله تعالى عنه; لأنها قريبته، قيل: إنها خالته.

قوله: " أعجب" بلفظ المتكلم.

قوله: " فرددت" من الترديد، ويروى: " فردت" من الرد، ويروى: " فبرزت" من البروز؛ أي: الخروج.

قوله: " وكان من حول رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم"؛ أي: من الملوك والحكام. وغسان، بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة، قال الدارقطني: اسم قبيلة.

قوله: " فما شعرت إلا بالأنصاري وهو يقول"، ويروى: " فما شعرت بالأنصاري إلا وهو يقول" وكلاهما منقول عن الكشميهني، وقال الكرماني: في جل النسخ أو في كلها: " وهو يقول" بدون كلمة الاستثناء، ووجهه أن إلا مقدرة، والقرينة تدل عليه. أو كلمة "ما" زائدة أو مصدرية، و"يقول" مبتدأ، وخبره " بالأنصاري"؛ أي: شعوري ملتبس بالأنصاري قائلا قوله: أعظم. انتهى. قلت: الأحسن أن يقال: "ما" مصدرية، والتقدير شعوري بالأنصاري حال كونه قائلا: أعظم من ذلك، وقول الكرماني: و"يقول" مبتدأ، فيه نظر; لأن الفعل لا يقع مبتدأ إلا بالتأويل.

قوله: " إنه"؛ أي: الشأن.

قوله: " أجاء الغساني" الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار.

قوله: " أعظم من ذلك"؛ أي: من مجيء الغساني، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق نساءه. فإن قلت: كيف كان الطلاق أعظم من توجه العدو واحتمال تسلطه عليهم؟ قلت: لأن فيه ملالة خاطر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما بالنسبة إلى عمر رضي الله تعالى عنه فظاهر; لأن مفارقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنته أعظم الأمور إليه; ولعلمهم بأن الله تعالى يعصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الناس ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا فإن قلت: كيف قال: طلق، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما طلق نساءه؟ قلت: اعتزل عنهن، فقال بالظن بأن الاعتزال تطليق.

قوله: " من حجرهن" بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة، ويروى: " من حجره"؛ أي: من حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: " في مشربة" بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها وبالباء الموحدة، وهي الغرفة.

قوله: " وصيف"؛ أي: خادم، وهو غلام دون البلوغ.

قوله: " مرفقة" بكسر الميم، وهي الوسادة.

قوله: " أهب" بفتحتين، جمع إهاب، وهو الجلد ما لم يدبغ.

قوله: " وقرظ" بفتح القاف والراء وبالمعجمة: ورق شجر يدبغ به.

التالي السابق


الخدمات العلمية