صفحة جزء
5641 16 - حدثنا بشر بن محمد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معاوية بن أبي مزرد قال: سمعت عمي سعيد بن يسار يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاقرؤوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم


مطابقته للترجمة ظاهرة.

و"بشر" بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة، ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي. وعبد الله بن المبارك المروزي. ومعاوية بن أبي مزرد، بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء المشددة وبالدال المهملة، المدني، وله حديث آخر وهو ثالث أحاديث الباب عن عائشة، وحديث آخر قد مر في الزكاة، يروي عن عمه سعيد بن يسار، ضد اليمين، أبي الحباب مولى شقران مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، مات سنة تسع عشرة ومائة.

والحديث مضى [ ص: 93 ] في التفسير في سورة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم؛ فإنه أخرجه هناك عن خالد بن مخلد، عن سليمان، عن معاوية بن أبي مزرد إلى آخره، ومضى الكلام فيه.

قوله: " خلق الخلق" يحتمل أن يكون المراد: خلق جميع المخلوقات. ويحتمل أن يكون المراد به: المكلفين. قوله: " حتى إذا فرغ"؛ المراد بالفراغ قضاؤه وإتمامه ونحو ذلك بما يشهد بأنه مجاز القول، فإن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن. أو يطلق عليه الفراغ الذي هو ضد الشغل. قوله: " قالت الرحم"؛ يحتمل أن يكون هذا القول بعد خلق السماوات والأرض أو بعد خلقها كتبا في اللوح المحفوظ، أو بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله: ألست بربكم لما أخرجهم من صلب آدم عليه السلام مثل الذر، ثم إسناد القول إلى الرحم يحتمل أن يكون بلسان الحال، ويحتمل أن يكون بلسان المقال، يتكلم كما هي، أو يخلق الله لها عند كلامها حياة وعقلا. وقيل: هو في الحقيقة ضرب مثل واستعارة؛ إذ الرحم معنى وهو إيصال القربى بين أهل النسب، وهي استعارة تمثيلية، وهي التي الوجه فيها منتزع من أمور متوهمة للمشبه المعقول بما كانت تابعة للمشبه به المحسوس؛ وذلك أنه شبهت حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب منها من القطيعة بحال مستجير يأخذ بذيل المستجار به وحقو إزاره، ثم أدخل صورة حال المشبه في جنس المشبه به، واستعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في المشبه به من الألفاظ بدلائل قرائن الأحوال، ويجوز أن يكون استعارة مكنية؛ بأن يشبه الرحم بإنسان يستجير بمن يحميه ويذب عنه ما يؤذيه، ثم انعقد على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة، ثم رشحت الاستعارة بأخذ القول. وقال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع إنما هي معنى من المعاني ليست بجسم، وإنما هي قرابة ونسب يجمعه رحم والدة ويتصل بعضه ببعض؛ فسمي ذلك الاتصال رحما، والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام؛ فيكون ذكر قيامها هنا، وتعلقها بالعرش ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك، وتعظيم شأنها وفضيلة واصلها، وعظيم إثم قاطعها بعقوقه؛ ولهذا سمي العقوق قطعا، والعق الشق؛ كأنه قطع ذلك السبب المتصل. قال: ويجوز أن يكون المراد قيام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله عز وجل. قوله: " أن أصل من وصلك"؛ الوصل من الله تعالى كناية عن عظيم إحسانه، والقطع منه كناية عن حرمان الإحسان.

التالي السابق


الخدمات العلمية