صفحة جزء
5698 73 - حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن الحسين، عن عبد الله بن بريدة، حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي حدثه، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يرمي رجل رجلا بالفسوق, ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك.


مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو معمر، بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو المقعدي البصري. وعبد الوارث ابن سعيد. والحسين المعلم. وعبد الله بن بريدة، بضم الباء الموحدة وفتح الراء، ابن حصيب الأسلمي، قاضي مرو. ويحيى بن يعمر، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح الميم وبالراء، كان على قضاء مرو. وأبو أسود ظالم بن عمرو الدؤلي، بضم الدال وفتح الهمزة، شهد مع علي رضي الله تعالى عنه صفين، وولي البصرة لابن عباس، ومات بها وقد أسن، وهو أول من تكلم بالنحو. وأبو ذر اسمه جندب بن جنادة، وقيل غير ذلك.

والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن زهر بن حرب.

قوله: " لا يرمي رجل رجلا بالفسوق"؛ أي: لا ينسبه إلى الفسق؛ بأن قال: يا فاسق، أو الكفر؛ بأن قال: يا كافر. قوله: " إلا ارتدت عليه"؛ أي: إلا رجعت عليه؛ بأن يصير هو فاسقا أو كافرا، والضمير في "ارتدت" يرجع إلى الرمية التي يدل عليها. قوله: " لا يرمي" وفي رواية الإسماعيلي: " إلا حار عليه" بالحاء المهملة؛ أي: إلا رجع عليه، أي قوله ذلك رجع عليه. وفي رواية لمسلم: " ومن دعا رجلا بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك حار عليه إلا رجع عليه" أي: وهذا يقتضي أن من قال لآخر: أنت فاسق، أو قال: أنت كافر، أو يا كافر؛ فإن كان ليس كما قال كان هو المستحق للوصف المذكور، وإن كان كما قال لا يرجع عليه شيء؛ لكونه صدق فيما قال، لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون آثما، لكن في تفصيل، فإن كان قصده بذلك نصحه أو نصح غيره ببيان حاله؛ جاز، وإن قصد تعييره وشهرته بذلك، أو محض أذاه، لم يجز؛ لأنه مأمور بالستر عليه وموعظته بالحسنى مهما أمكنه ذلك. وقال النووي: اختلف في تأويل هذا الرجوع؛ فقيل: رجع عليه الكفر إن كان مستحلا، وهذا بعيد من سياق الخبر، وقيل: محمول على الخوارج؛ لأنهم يكفرون المؤمنين، هكذا نقله عياض عن مالك، وهو ضعيف؛ لأن الصحيح عند الأكثرين أن الخوارج لا يكفرون ببدعتهم، والأصح الأرجح في ذلك أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر؛ فإنه يكفر بذلك، فعلى هذا معنى الحديث. " فقد رجع عليه تكفيره" فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفر نفسه؛ لكونه كفر من هو مثله، ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام. ويؤيده أن في بعض طرقه: " وجب الكفر على أحدهما".

التالي السابق


الخدمات العلمية