صفحة جزء
5793 وقوله تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون


[ ص: 181 ] سيقت هذه الآيات الأربعة كلها في رواية كريمة والأصيلي، ووقع في رواية أبي ذر بين قوله: يهيمون وبين قوله: وأنهم يقولون ما لا يفعلون لفظ، وقوله: " وهو حشو بلا فائدة" وذكر هذه الآيات مناسب لقوله: وما يكره منه; لأنها في ذم الشعراء الذين يهجون الناس، ويلحقهم الشعراء الذين يمدحون الناس بما ليس فيهم، ويبالغون حتى إن بعضهم يخرج عن حد الإسلام، ويأتون في أشعارهم من الخرافات والأباطيل. قوله تعالى: والشعراء تفسيرها جمع شاعر، مرفوع على الابتداء. وقوله: يتبعهم الغاوون خبره، وقرئ: والشعراء، بالنصب، على إضمار فعل يفسره الظاهر.

وقال أهل التأويل منهم ابن عباس وغيره: إنهم شعراء المشركين، يتبعهم غواة الناس ومردة الشياطين، وعصاة الجن، ويروون شعرهم; لأنه الغاوي لا يتبع إلا غاويا مثله. وعن الضحاك: تهاجى رجلان على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أحدهما من الأنصار، والآخر: من قوم آخرين، ومع كل واحد منهما غواة من قومه وهما السفهاء، فنزلت هذه الآية، وقال السهيلي: نزلت الآية في الثلاثة، وإنما وردت بالإبهام; ليدخل معهم من اقتدى بهم.

وقال الثعلبي: أراد بهؤلاء شعراء الكفار: عبد الله بن الزبعري، وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع بن عبد مناف، وعمرو بن عبد الله، وأمية بن أبي الصلت، كانوا يهجون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيتبعهم الناس.

قوله: ألم تر أنهم معناه: أنك رأيت آثار فعل الله فيهم أنهم في كل واد من أودية الكلام، وقيل: يأخذون في كل فن من لغو وكذب، فيمدحون بباطل، ويذمون بباطل، يهيمون حائرين، وعن طريق الخير والرشد والحق جائرين، وقال الكسائي: الهائم الذاهب على وجهه. وقال أبو عبيدة: الهائم المخالف للقصد. قوله: وأنهم يقولون ما لا يفعلون أي: يقولون: فعلنا، ولم يفعلوا، قوله: إلا الذين آمنوا استثنى به الشعراء المؤمنين الصالحين الذين لا يتلفظون فيها بذنب، وقال أهل التفسير: لما نزلت هذه الآية: والشعراء يتبعهم الغاوون جاء عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهم يبكون، فقالوا: يا رسول الله، أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء؟ فقال: اقرؤوا ما بعدها: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية.

وعن ابن عباس: إلا الذين آمنوا يعني ابن رواحة، وحسانا. قوله: وذكروا الله كثيرا أي: في شعرهم، وقيل: في خلال كلامهم، وقيل: لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله تعالى. قوله: وانتصروا من بعد ما ظلموا أي: من المشركين; لأنهم بدؤوا بالهجاء، وكذبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجوا المسلمين من مكة. وقوله: وسيعلم الذين ظلموا أي: أشركوا، وهجوا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. قوله: أي منقلب ينقلبون أي: مرجع يرجعون إليه بعد مماتهم؛ يعني ينقلبون إلى جهنم يخلدون فيها، والفرق بين المنقلب والمرجع: أن المنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع العود من حال إلى حال، فكل مرجع منقلب، وليس كل منقلب مرجعا.

التالي السابق


الخدمات العلمية