صفحة جزء
5957 12 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن سلمة، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأتى حاجته غسل وجهه ويديه، ثم نام، ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر، وقد أبلغ فصلى، فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أتقيه، فتوضأت فقام يصلي، فقمت عن يساره، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه، فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فآذنه بلال بالصلاة، فصلى ولم يتوضأ، وكان يقول في دعائه: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا. قال كريب: وسبع في التابوت: فلقيت رجلا من ولد العباس فحدثني بهن، فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري وذكر خصلتين.


مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وابن مهدي هو عبد الرحمن بن حسان العنبري البصري، وسفيان هو الثوري، وسلمة، بفتحتين، هو ابن كهيل، وكريب مولى ابن عباس.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن عبد الله بن هاشم وغيره، وفي الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، وأخرجه أبو داود في الأدب عن عثمان عن وكيع به مختصرا، وأخرجه الترمذي في الشمائل عن بندار عن ابن مهدي ببعضه، وأخرجه النسائي في الصلاة عن هناد به، وأخرجه ابن ماجه في الطهارة عن علي بن محمد وغيره.

قوله: " ميمونة" هي بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين خالة ابن عباس. قوله: "غسل وجهه" كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: فغسل وجهه، بالفاء. قوله: "شناقها" بكسر الشين المعجمة وتخفيف النون وبالقاف، وهو ما يشد به رأس القربة من رباط أو خيط سمي به; لأن القربة تشتق به. قوله: "بين وضوءين"؛ أي: بين وضوء خفيف ووضوء كامل جامع لجميع السنن. قوله: "ولم يكثر" من الإكثار؛ أي: اكتفى بمرة واحدة. قوله: "وقد أبلغ" من الإبلاغ؛ يعني أوصل الماء إلى مواضع يجب الإيصال إليها، ووقع عند مسلم وضوءا حسنا. قوله: "أتقيه" بالتاء المثناة من فوق المشددة وبالقاف المكسورة، كذا في رواية النسفي وآخرين؛ أي: أرقبه وأنتظره، ويروى: أنقبه بتخفيف النون وتشديد القاف وبالباء الموحدة، من التنقيب وهو التفتيش، وفي رواية القابسي: أبغيه بسكون الباء الموحدة وكسر الغين المعجمة وبالياء آخر الحروف الساكنة؛ أي: أطلبه، والأكثر: أرقبه، وهو الأوجه.

قوله: "عن يساره" ويروى: عن شماله. قوله: "فتتامت" من باب التفاعل، أي: تمت وكملت. قوله: "فآذنه"؛ أي: أعلمه بلال رضي الله تعالى عنه بالصلاة. قوله: "واجعل لي نورا" هذا عام بعد خاص، والتنوين فيه للتعظيم؛ أي: نورا عظيما. قوله: "وسبع"؛ أي: سبع كلمات أخرى في التابوت، وأراد به بدن الإنسان الذي كالتابوت للروح، وفي بدن الذي مآله أن يكون في التابوت، أي: الذي يحمل عليه الميت، وهي العصب واللحم والدم والشعر والبشر والخصلتان الأخريان، قال الكرماني: لعلهما الشحم والعظم [ ص: 287 ] وقيل: هي العظم والقبر، قال ابن بطال: وجدت الحديث من رواية علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه.. فذكر الحديث مطولا، وفيه: اللهم اجعل في عظامي نورا، وفي قبري نورا، وقيل: هما اللسان والنفس; لأن عقيلا زادهما في روايته عند مسلم، وهما من جملة الجسد، وجزم الدمياطي في (حاشيته) بأن المراد بالتابوت الصدر الذي هو وعاء القلب، وكذا قال ابن بطال، ثم قال: كما يقال لمن لم يحفظ العلم: علمه في التابوت مستودع، وقال النووي تبعا لغيره: المراد بالتابوت الأضلاع وما تحويه؛ من القلب وغيره، تشبيها بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع، يعني سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها، قال: وقيل: المراد سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة، وقال ابن الجوزي: يريد بالتابوت الصندوق، أي: سبع مكتوبة في الصندوق عنده ولم يحفظها في ذلك الوقت.

قوله: "فلقيت رجلا من ولد العباس" القائل بقوله: " لقيت" هو سلمة بن كهيل، والرجل من ولد العباس هو علي بن عبد الله بن عباس، قاله أبو ذر. قوله: "فذكر عصبي" قال ابن التين: أي أطناب المفاصل. قوله: "وبشري" بفتح الباء الموحدة والشين المعجمة؛ هو ظاهر الجسد. قوله: "فذكر خصلتين"؛ أي: تكملة السبعة.

فإن قلت: ما المراد بالنور هنا؟ قلت: بيان الحق والتوفيق في جميع حالاته، وقال الطيبي: معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا: أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة وتتعرى عما عداهما؛ فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس، فكان التخلص منها بالأنوار السادة لتلك الجهات.

التالي السابق


الخدمات العلمية