صفحة جزء
6063 15 - حدثنا إسماعيل قال : حدثني مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض ، قيل : وما بركات الأرض ؟ قال : زهرة الدنيا ، فقال له رجل : هل يأتي الخير بالشر ؟ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه ينزل عليه ، ثم جعل يمسح عن جبينه فقال : أين السائل ؟ قال : أنا ، قال أبو سعيد : لقد حمدناه حين طلع ذلك ، قال : لا يأتي الخير إلا بالخير ، إن هذا المال خضرة حلوة ، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضرة ، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس فاجترت وثلطت وبالت ، ثم عادت فأكلت ، وإن هذا المال حلوة ، من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع .


مطابقته للترجمة في قوله : " زهرة الدنيا " وإسماعيل هو ابن أبي أويس ، وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان ونسبته إلى خدر بطن من الأنصار .

والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب الصدقة على اليتامى ، فإنه أخرجه هناك عن معاذ بن فضالة ، عن هشام ، عن يحيى ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري . . . إلى آخره .

قوله : " إن أكثر ما أخاف عليكم " وفي رواية الزكاة : إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم ، وفي رواية السرخسي : إني مما أخاف .

قوله : " ما يخرج " بضم الياء من الإخراج وهو خبر إن ، قيل : هذا لا يصلح أن يكون خبرا للأكثر وأجيب بأن فيه إضمارا تقديره : ما أخاف بسببه عليكم أو مما يخرج .

قوله : " زهرة الدنيا " وفي كتاب الزكاة زاد هلال : وزينتها ، وهو عطف تفسيري ، والزهرة بفتح الزاي وسكون الهاء وقد قرئ في الشاذ عن الحسن وغيره بفتح الهاء فقيل : هما بمعنى واحد ، وقيل : بالتحريك جمع زاهر كفاجر وفجرة ، والمراد بالزهرة الزينة والبهجة مأخوذ من زهرة الشجرة وهو نورها بفتح النون ، والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها مما يغتر الناس بحسنه مع قلة البقاء .

قوله : " فقال رجل " لم يدر اسمه .

قوله : " هل يأتي الخير بالشر ؟ " أي : هل تصير النعمة عقوبة .

قوله : " حتى ظننا " هكذا في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره : حتى ظننت أنه أي : أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم " ينزل عليه " بصيغة المجهول أي : الوحي .

قوله : " ثم جعل يمسح عن جبينه " أي : العرق ، وهكذا وقع في رواية الدارقطني .

قوله : " لقد حمدناه حين طلع ذلك " أي : حمدنا الرجل حين ظهر ، هكذا هو في رواية النسفي ، وفي رواية غيره كذلك ، وقال الكرماني : تقدم في الزكاة أنهم ذموه وقالوا له : لم تكلم النبي ولا يكلمك ؟ وأجاب بأنهم ذموه أولا حيث رأوا سكوته صلى الله عليه وسلم ، وحمدوه آخرا حيث صار سؤاله سببا لاستفادتهم منه صلى الله عليه وسلم .

قوله : " لا يأتي الخير إلا بالخير " زاد في رواية الدارقطني تكرار ذلك ثلاث مرات .

قوله : " خضرة " التاء فيه إما للمبالغة نحو رجل علامة أو هو صفة لموصوف محذوف [ ص: 41 ] نحو بقلة خضرة ، أو باعتبار أنواع المال ، وقال ابن الأنباري : هذا ليس بصفة للمال وإنما هو للتشبيه كأنه قال : المال كالبقلة الخضرة الحلوة .

قوله : " الربيع " أي : الجدول وهو النهر الصغير ، وجمع الربيع الأربعاء ، وإسناد الإنبات إلى الربيع مجاز والمنبت هو الله عز وجل في الحقيقة .

قوله : " حبطا " بفتح الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة ، وبالطاء المهملة وهو انتفاخ البطن من كثرة الأكل ، يقال : حبطت الدابة تحبط حبطا إذا أصابت مرعى طيبا فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ فتموت ، وروي بالخاء المعجمة من التخبط وهو الاضطراب .

قوله : " أو يلم " بضم أوله أي : يقرب أن يقتل .

قوله : " إلا آكلة الخضرة " كلمة إلا بالتشديد للاستثناء ، ويروى بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح ، وآكلة بالمد وكسر الكاف والخضرة بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني بضم الخاء وسكون الضاد وبتاء التأنيث ، وفي رواية السرخسي الخضراء بفتح أوله وسكون ثانيه وبالمد ، ولغيرهم بضم أوله وفتح ثانيه جمع خضرة ، وقال الكرماني : الخضرة بفتح الخاء البقلة الخضراء أو ضرب من الكلأ ، وقيل : ما بين الشجر والبقل .

قوله : " خاصرتاها " تثنية خاصرة وهما جانبا البطن من الحيوان ، وفي رواية الكشميهني : خاصرتها بالإفراد .

قوله : " فاجترت " بالجيم من الاجترار وهو أن يجر البعير من الكرش ما أكله إلى فمه فيمضغه مرة ثانية ، وكل لقمة منه تسمى جرة ، ويصير كل واحدة بعرة .

قوله : " وثلطت " بفتح الثاء المثلثة وفتح اللام والطاء المهملة ، وضبطها ابن التين بكسر اللام أي : ألقت ما في بطنها رقيقا ، والغرض من هذا أن جمع المال غير محرم لكن الاستكثار منه ضار بل يكون سببا للهلاك .

قوله : " فنعم المعونة هو " أي : المال يعني حيث كان دخله وخرجه بالحق فنعم العون للرجل في الدارين ، وقال صاحب ( المغرب ) : المعونة العون .

قلت : أشار به إلى أنه مصدر ميمي .

وفيه مثل للمؤمن أن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر حاجته ولا تغره زهرتها فتهلكه .

التالي السابق


الخدمات العلمية