صفحة جزء
6072 24 - حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب .


مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأنه صلى الله عليه وسلم أشار بهذا المثل إلى ذم الحرص على الدنيا والشره والازدياد ، وهذه آفة يجب الاتقاء منها ، وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل البصري ، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وعطاء هو ابن أبي رباح يروي بالسماع عن ابن عباس يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من الأحاديث التي صرح فيها ابن عباس بسماعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهي قليلة بالنسبة إلى مرويه عنه ، فإنه أحد المكثرين ، ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة .

والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن زهير بن حرب وهارون بن عبد الله .

قوله : " لو كان لابن آدم واديان " وفي الحديث الذي يليه : لو كان لابن آدم مثل واد مالا ، وفي الحديث الآخر : لو أن ابن آدم أعطي واديا ، وفي الآخر : [ ص: 46 ] لو أن لابن آدم واديان .

قوله : " من مال " وفي الحديث الثالث : ملأ من ذهب ، وفي الحديث الرابع : واديا من ذهب ، وعند أحمد في حديث زيد بن أرقم " من ذهب وفضة " .

قوله : " لابتغى " بالغين المعجمة من الابتغاء وهو الطلب ، وفي الحديث الثاني : " لأحب أن له إليه مثله " ، وفي حديث أنس " لتمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية " ، وفي الحديث الثالث : " أحب إليه ثانيا " وفي الرابع : " أحب إليه أن يكون له واديا " ، وقال الكرماني : في قوله : " لابتغى لهما ثالثا ، فزاد لفظة لهما في شرحه ، ثم قال : فإن قلت : الابتغاء لا يستعمل باللام .

قلت : هذا متعلق بقوله : ثالثا أي : ثالثا لهما أي : مثلثهما . انتهى .

قوله : " ولا يملأ جوف ابن آدم " وفي الحديث الثاني : " ولا يملأ عين ابن آدم " وفي الثالث : " ولا يسد جوف ابن آدم " وفي الرابع : " ولن يملأ فاه " وفي رواية الإسماعيلي عن ابن جريج : لا يملأ نفس ابن آدم ، وفي مرسل جبير بن يغير : ولا يشبع جوف ابن آدم بضم الياء من الإشباع ، وفي حديث زيد بن أرقم " ولا يملأ بطن ابن آدم " .

وقال الكرماني : ما وجه ذكره في الرواية الأولى الجوف وفي الثانية العين وفي الثالثة الفم ؟

قلت : ليس المقصود منه الحقيقة بقرينة عدم الانحصار على التراب إذ غيره يملؤه أيضا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال : لا يشبع من الدنيا حتى يموت ، فالغرض من العبارات كلها واحد ليس فيها إلا التفنن في الكلام ، وقال بعضهم : هذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث ، وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة . انتهى .

قلت : إحالته على كلام الشارع أولى من إحالته إلى تصرف الرواة مع أن فيه تغيير لفظ الشارع .

فإن قلت : نسبة الامتلاء إلى الجوف والبطن واضحة ، فما وجهها إلى النفس والفم والعين ؟

قلت : أما النفس فعبر بها عن الذات وأراد البطن من قبيل إطلاق الكل وإرادة الجزء ، وأما الفم فلكونه الطريق إلى الوصول إلى الجوف ، وأما العين فلأنها الأصل في الطلب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه إليه ، وخص البطن في أكثر الروايات لأن أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات .

وأكثرها تكرار للأكل والشرب ، وقال الطيبي : وقع قوله : " ولا يملأ . . . إلى آخره " موقع التذييل والتقرير للكلام السابق كأنه قيل : ولا يشبع من خلق من التراب إلا بالتراب .

قوله : " ويتوب الله على من تاب " أي : من المعصية ، ورجع عنها يعني : يوفقه للتوبة ، أو يرجع عليه من التشديد إلى التخفيف أو يرجع عليه بقبوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية