صفحة جزء
6079 31 - حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب قال : قال أبو ذر : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة ، فاستقبلنا أحد فقال : يا أبا ذر ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله : هكذا وهكذا وهكذا ، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ، ثم مشى فقال : إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال : هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ، ثم قال لي : مكانك لا تبرح حتى آتيك ، ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى ، فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون قد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأردت أن آتيه ، فذكرت قوله لي : لا تبرح حتى آتيك ، فلم أبرح حتى أتاني ، قلت : يا رسول الله لقد سمعت صوتا تخوفت فذكرت له فقال : وهل [ ص: 53 ] سمعته ؟ قلت : نعم ، قال : ذاك جبريل أتاني ، فقال : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق .


مطابقته للترجمة التي هي : ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا ظاهرة ، وفي غير هذا اللفظ أيضا التطابق موجود من حيث المعنى .

والحسن بن الربيع بفتح الراء هو أبو علي البوراني بالباء الموحدة والراء وبالنون ، قال الرشاطي : ينسب إلى البواري وهي حصر من قصب ، وكان له غلمان يصنعونها ، وأبو الأحوص هو سلام بالتشديد ابن سليم ، والأعمش سليمان .

والحديث قد روي بزيادة ونقصان عن أبي ذر كما ذكرناه في الباب السابق .

قوله : " فاستقبلنا " بفتح اللام وأحد بالرفع فاعله ، وفي رواية حفص بن غياث : فاستقبلنا أحدا بسكون اللام ونصب أحدا على أنه مفعول .

قوله : " ما يسرني " من سره إذا فرحه والسرور خلاف الحزن .

قوله : " أن عندي مثل أحد هذا ذهبا " . . . . . .

قوله : " ثالثة " أي : ليلة ثالثة قيل : قيد بالثلاث لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبا .

قلت : يعكر عليه رواية حفص بن غياث : ما أحب أن لي أحدا ذهبا يأتي علي يوم وليلة أو ثلاث عندي منه دينار ، قال بعضهم : والأولى أن يقال : الثلاث أقصى ما يحتاج إليه في تفرقة مثل ذلك ، والواحدة أقل ما يمكن .

قلت : ذكر اليوم أو الثلاث ليس بقيد ، وإنما هو كناية عن سرعة التفريق من غير تأخير ولا إبقاء شيء منه ، وفيه أيضا مبالغة لقوله : وعندي الواو فيه للحال .

قوله : " إلا شيئا " استثناء من دينار .

قوله : " أرصده " بضم الهمزة أي : أعده وأحفظه ، وعن الكسائي والأصمعي : أرصدت له أعددت له ورصدته ترقبته ، وهذه الجملة أعني : أرصده في محل النصب لأنها صفة لقوله : شيئا ، ثم إرصاد العين أعم من أن يكون لصاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذه أو لأجل وفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفى .

قوله : " لدين " ويروى لديني بياء الإضافة .

قوله : " إلا أن أقول " به استثناء بعد استثناء ، وقال الكرماني : إلا أن أقول استثناء من فاعل يسرني أي : إلا أن أصرفه ، وقد ذكرنا غير مرة أن العرب تستعمل لفظ القول في معان كثيرة .

قوله : " في عباد الله " أي : بين عباد الله كما في قوله تعالى : فادخلي في عبادي أي : بين عبادي .

قوله : " هكذا وهكذا وهكذا " قالها ثلاث مرات وأشار بها بيده ثم بين ذلك بقوله : عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ، وهذا على سبيل المبالغة ; لأن الأصل في العطية أن تكون لمن بين يديه وهذه جهة رابعة من الجهات الأربع ولم يذكر هاهنا ، وقد جاء في رواية أحمد بن ملاعب عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه بلفظ : إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأرانا بيده ، وذكر فيه الجهات الأربع ، وأخرجه أبو نعيم من طريق سهل بن بحر عن عمر بن حفص فاقتصر على ثنتين .

قوله : " ثم مشى " أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قوله : " إن الأكثرين هم الأقلون " ويروى : ألا إن الأكثرين هم المقلون ، وقد مضت رواية أخرى : إن المكثرين هم المقلون ، وفي رواية أحمد : إن المكثرين هم الأقلون .

قوله : " إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا " ، وفي رواية ابن شهاب : إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا .

قوله : " وقليل ما هم " كلمة ما زائدة مؤكدة للقلة وهم مبتدأ وقليل مقدما خبره .

قوله : " مكانك " بالنصب أي : الزم مكانك .

قوله : " لا تبرح حتى آتيك " تأكيد لما قبله ، وفي رواية حفص : لا تبرح يا أبا ذر حتى أرجع .

قوله : " ثم انطلق في سواد الليل " فيه إشعار بأن القمر قد غاب .

قوله : " حتى توارى " أي : حتى غاب عن بصري .

قوله : " فسمعت صوتا " ، وفي رواية أبي معاوية : لفظا وصوتا .

قوله : " قد عرض " بضم العين ، وروي : فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم أي : تعرض له بسوء .

قوله : " وإن زنى وإن سرق " وقع في رواية عبد العزيز بن رفيع قلت : يا جبرائيل وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم وكررها مرتين في رواية الأكثرين ، وفي رواية المستملي ثلاثا .

التالي السابق


الخدمات العلمية