صفحة جزء
6087 39 - حدثنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث ، حدثنا عمر بن ذر ، حدثنا مجاهد أن أبا هريرة كان يقول : الله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ، ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني ، فمر فلم يفعل ، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ، ثم قال : يا أبا هر ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : الحق ، ومضى فتبعته ، فدخل ، فأستأذن فأذن لي ، فدخل فوجد لبنا في قدح ، فقال : من أين هذا اللبن ؟ قالوا : أهداه لك فلان أو فلانة ، قال : أبا هر ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي ، قال : وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ، فساءني ذلك ، فقلت : وما هذا اللبن في أهل الصفة ، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد ، فأتيتهم فدعوتهم ، فأقبلوا فاستأذنوا ، فأذن لهم ، وأخذوا مجالسهم من البيت ، قال : يا أبا هر ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : خذ فأعطهم ، قال : فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح ، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم ، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال : يا أبا هر ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : بقيت أنا وأنت ، قلت : صدقت يا رسول الله ، قال : اقعد فاشرب ، فقعدت فشربت ، فقال : اشرب فشربت ، فما زال يقول : اشرب حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا ، قال : فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة .


مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه الإخبار عن عيش النبي صلى الله عليه وسلم وعيش أصحابه رضي الله تعالى عنهم .

وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين ، وعمر بضم العين ابن ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء الهمداني .

وبعض الحديث مضى في الاستئذان مختصرا أخرجه عن أبي نعيم عن عمر بن ذر ، وعن محمد بن مقاتل ، عن عبد الله ، عن عمر بن ذر ، ثم أعاده هنا عن أبي نعيم وحده مطولا ، وأخرجه الترمذي في الزهد عن هناد بن سري ، عن يونس بن بكير ، عن عمر بن ذر به ، وأخرجه النسائي في الرقاق عن أحمد بن يحيى عن أبي نعيم .

قوله : " بنحو من نصف هذا الحديث " أشار به إلى حديث الباب . [ ص: 59 ] قال الكرماني : هذا مشكل لأن نصف الحديث يبقى بدون الإسناد ، ثم إن النصف مبهم أهو النصف الأول أم الآخر ، ثم أجاب بأنه اعتمد على ما ذكر في كتاب الأطعمة من طريق يوسف بن عيسى المروزي ، وهو قريب من نصف هذا الحديث ، فلعل البخاري أراد بالنصف المذكور لأبي نعيم ما لم يذكره ثمة فيصير الكل مسندا ، بعضه بطريق يوسف والبعض الآخر بطريق أبي نعيم ، وقال صاحب ( التلويح ) ذكر البخاري هذا الحديث في الاستئذان مختصرا فقال : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عمر بن ذر ، وعن محمد بن مقاتل ، عن ابن المبارك ، عن عمر بن ذر ، حدثنا مجاهد ، وكان هذا هو النصف المشار إليه هاهنا . انتهى .

واعترض عليه الكرماني بقوله : ليس ما ذكره ثمة نصفه ولا ثلثه ولا ربعه ، وقال بعضهم : فيه نظر من وجهين آخرين :

أحدهما : احتمال أن يكون هذا السياق لابن المبارك فإنه لا يتعين كونه لفظ أبي نعيم .

وثانيهما : أنه منتزع من أثناء الحديث فإنه ليس فيه القصة الأولى المتعلقة بأبي هريرة ولا ما في آخره من حصول البركة في اللبن إلى آخره .

قلت : في هذا النظر نظر لأنه إذا لم يتعين كون السياق لأبي نعيم كذلك لا يتعين كونه لابن المبارك ، وكونه منتزعا من أثناء الحديث لا يضر على ما لا يخفى .

قوله : " الله " بالنصب قسم حذف حرف الجر منه ، ويروى والله على الأصل .

قوله : " إن كنت " كلمة إن هذه مخففة من الثقيلة .

قوله : " لأعتمد بكبدي على الأرض " أي : ألصق بطني بالأرض .

قوله : " وإن كنت " وإن هذه أيضا مخففة من الثقيلة .

قوله : " لأشد الحجر على بطني " اللام فيه للتأكيد ، وفي رواية عن أبي هريرة : لتأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه ، ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه ، وفائدة شد الحجر على البطن المساعدة على الاعتدال والانتصاب على القيام أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكونها حجارة رقاقا تعدل البطن ، وربما سدت طرف الأمعاء فيكون الضعف أقل أو تقليل حرارة الجوع ببرودة الحجر أو الإشارة إلى كسر النفس وإلقامها الحجر ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، وقال الخطابي : أشكل الأمر في شد الحجر على قوم حتى توهموا أنه تصحيف من الحجز بالزاي جمع الحجزة التي يشد بها الإنسان وسطه ، لكن من أقام بالحجاز عرف عادة أهله في أن المجاعة تصيبهم كثيرا ، فإذا خوي البطن لم يكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف فيربطها على البطن فتعتدل القامة بعض الاعتدال .

قلت : وممن أنكر ربط الحجر ابن حبان في ( صحيحه ) .

قوله : " على طريقهم " أي : طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسجد متحدة .

قوله : " ليشبعني " من الإشباع من الجوع ، وفي رواية الكشميهني ليستتبعني من الاستتباع وهو طلب أن يتبعه .

قوله : " فمر " أي : إلى حاله ولم يفعل أي : الإشباع أو الاستتباع .

قوله : " ثم مر بي عمر رضي الله تعالى عنه ، كأنه استقر هنا حتى مر به عمر ، فوقع أمره معه مثل ما وقع مع أبي بكر ، والظاهر أنهما حملا سؤال أبي هريرة على ظاهره وهو سؤاله عن آية من القرآن ، أو لم يكن عندهما شيء إذ ذاك ، ويروى أن عمر رضي الله تعالى عنه تأسف على عدم إدخاله أبا هريرة في داره .

قوله : " وما في وجهي " أي : من التغير فيه من الجوع .

قوله : " أبا هر " ووقع في رواية علي بن مسهر فقال : أبو هر ، ووجهه على لغة من لا يعرب الكنية وهو بتشديد الراء وهو إما رد الاسم المؤنث إلى المذكر أو المصغر إلى المكبر ، فإن كنيته في الأصل أبو هريرة تصغير هرة مؤنثا ، وأبو هر مذكر مكبر ، وقيل : يجوز فيه تخفيف الراء مطلقا ووقع في رواية يونس بن بكير فقال : أبو هريرة أي : أنت أبو هريرة .

قوله : " الحق " من اللحوق أي : اتبعني .

قوله : " فدخل " زاد ابن مسهر : إلى أهله .

قوله : " فأستأذن " على صيغة المتكلم من المضارع ، وفي رواية علي بن مسهر ويونس فاستأذنت .

قوله : " فدخل " فيه التفات ، وفي رواية علي بن مسهر : فدخلت وهي ظاهرة .

قوله : " فوجد لبنا في قدح " ، وفي رواية علي بن مسهر : فإذا هو لبن في قدح ، وفي رواية يونس : فوجد قدحا من اللبن .

قوله : " من أين هذا اللبن " زاد روح : لكم ، وفي رواية ابن مسهر : فقال لأهله : من أين لكم هذا ؟ .

قوله : " أو فلانة " شك من الراوي .

قوله : " الحق إلى أهل الصفة " عدى " الحق " بكلمة إلى لأنه ضمنه معنى انطلق ، وكذا وقع في رواية روح : انطلق .

قوله : " قال : وأهل الصفة " سقط لفظ قال في رواية روح ولا بد منه لأنه من كلام أبي هريرة .

قوله : " ولا على أحد " تعميم بعد تخصيص ، فيشمل الأقارب والأصدقاء وغيرهم .

قوله : " فساءني ذلك " وفي رواية علي بن مسهر : والله ، ومعناه أهمني ذلك .

قوله : " وما هذا اللبن في أهل الصفة " أي : ما قدره في أهل الصفة ، الواو فيه عطف على محذوف ، تقديره : هذا قليل أو نحو ذلك وما هذا ، وفي رواية يونس بحذف الواو ، وفي رواية [ ص: 60 ] علي بن مسهر : وأين يقع هذا اللبن من أهل الصفة ؟ .

قوله : " فإذا جاء كذا " فيه بالإفراد في بعض النسخ أي : إذا جاء من أمرني بطلبه ، وفي رواية الأكثرين : فإذا جاءوا بصيغة الجمع كما في نسختنا .

قوله : " أمرني " أي : رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم .

قوله : " وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن " أي : قائلا في نفسي وما عسى ، قال الكرماني : والظاهر أن عسى مقحم .

قوله : " وأخذوا مجالسهم من البيت " يعني : قعد كل واحد منهم في المجلس الذي يليق به ، ولم يذكر عددهم ، وقد تقدم في أبواب المساجد في كتاب الصلاة من طريق أبي حازم عن أبي هريرة ، رأيت سبعين من أصحاب الصفة . . . الحديث ، وذكر في ( الحلية ) أن عدتهم تقرب من المائة ، وقال أبو نعيم : كان عدد أهل الصفة يختلف بحسب اختلاف الحال ، فربما اجتمعوا فكثروا ، وربما تفرقوا إما لغزو أو سفر أو استغناء فقلوا ، وقيل : هنا كانوا أكثر من سبعين .

قوله : " خذ " أي : القدح الذي فيه اللبن فأعطهم ، وصرح هكذا في رواية يونس .

قوله : " حتى يروى " بفتح الواو نحو رضي يرضى .

قوله : " ثم يرد علي القدح ، فأعطيه الرجل ، قال الكرماني : الرجل الثاني معرفة معادة ، فيكون عين الأول على القاعدة النحوية ، لكن المراد غيره ، ثم أجاب بأن ذلك حيث لا قرينة ، ولفظ : حتى انتهيت قرينة المغايرة كما في قوله عز وجل : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء

قوله : " فتبسم " كان ذلك لأجل توهم أبي هريرة أن لا يفضل له من اللبن شيء .

قوله : " فقال : أبا هر " أي : يا أبا هر ، وفي رواية علي بن مسهر فقال : أبو هريرة أي : فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : أبو هريرة ، وقد ذكرنا وجهه عن قريب .

قوله : " قال : بقيت أنا وأنت " هذا بالنسبة إلى من حضر من أهل الصفة ، فأما من كان في البيت من أهل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتعرض لذكرهم ، ويحتمل أن لا يكون إذ ذاك في البيت أحد ، أو كانوا أخذوا كفايتهم ، وكان الذي في القدح نصيب النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله : " فأرني " وفي رواية روح : ناولني القدح .

قوله : " فحمد الله وسمى " أما الحمد فلحصول البركة فيه ، وأما التسمية فلإقامة السنة عند الشرب " وشرب الفضلة " أي : البقية .

وفيه فوائد كثيرة يستخرجها من له يد في تحرير النظر وتقريب المراد .

التالي السابق


الخدمات العلمية