صفحة جزء
6117 69 - حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال : رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنجاء النجاء ! فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا ، وكذبته طائفة فصبحهم الجيش فاجتاحهم .


مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الإنذار عن الوقوع في المعاصي والانتهاء عنها . ومحمد بن العلاء بن كريب : أبو كريب الكوفي ، وهو شيخ مسلم أيضا ، وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي ، وبريد : بضم الباء الموحدة مصغر برد ، ابن عبد الله بن أبي بردة ، بضم الباء الموحدة ، واسمه عامر ، وقيل الحارث ، وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه . والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام ، وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله : " مثلي " المثل بفتحتين الصفة العجيبة الشأن ، يوردها البليغ على سبيل الشبه لإرادة التقريب والتفهيم . قوله : "ومثل ما بعثني الله " العائد محذوف ، تقديره : ما بعثني الله به إليكم . قوله : " قوما " التنكير فيه للشيوع . قوله : " الجيش " اللام فيه للعهد . قوله : " بعيني " بالتثنية ، وهي رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره بالإفراد . قوله : " وأنا النذير العريان " أي : المنذر الذي تجرد عن ثوبه وأخذه يرفعه ويديره حول رأسه إعلاما لقومه بالغارة ، وقال ابن بطال : النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة ، فقطع يده ويد امرأته ، فانصرف إلى قومه فحذرهم ، فضرب به المثل في تحقق الخبر . وقال ابن السكيت : اسم الرجل الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري والمرأة كانت من بني كنانة ، وتنزيل هذه القصة على لفظ الحديث بعيد ، لأنه ليس [ ص: 76 ] فيها أنه كان عريانا ، وقال أبو عبد الملك : هذا مثل قديم ، وذلك أن رجلا لقي جيشا فجردوه وعروه فجاء إلى المدينة فقال : إني رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير لكم ، وتروني عريانا جردني الجيش ، فالنجاء النجاء ! وقال ابن السكيت : ضرب به النبي صلى الله عليه وسلم المثل لأمته ; لأنه تجرد لإنذارهم . وقال الخطابي : روي عن محمد بن خالد العربان ، بباء موحدة ، فإن كان محفوظا فمعناه صحيح ، وهو الفصيح بالإنذار لا يكني ولا يوري ، يقال : رجل عربان أي : فصيح اللسان ، من أعرب الرجل عن حاجته إذا أفصح عنها .

قوله : " فالنجاء " بالنصب ، مفعول مطلق فيه إغراء أي : اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب ; لأنكم لا تطيقون مقاومة ذلك الجيش ، والنجاء الثاني تأكيد ، وكلاهما ممدودان ، وجاء القصر فيهما تخفيفا ، وجاء مد الأول وقصر الثاني . قوله : " فأدلجوا " من الإدلاج من باب الإفعال ، وهو السير أول الليل أو كل الليل على الاختلاف في معناه ، وهمزته همزة قطع ، وفي التوضيح : قوله " فادلجوا " بتشديد الدال . قلت : لا يستقيم هذا هنا ، لأن الادلاج بالتشديد هو السير آخر الليل ، فلا يناسب هذا المقام ، والصواب ما ذكرناه . قوله : " على مهلهم " بفتحتين ، أي : على السكينة والتأني ، وأما المهل بسكون الهاء فمعناه الإمهال ، فلا يناسب هنا ، وفي رواية مسلم " عن مهلتهم " . قوله : " فنجوا " لأنهم أطاعوا النذير وساروا من أول الليل فنجوا . قوله : " فصبحهم الجيش " أي : أتوهم صباحا ، هذا أصله ، ثم استعمل فيمن يطرق بغتة في أي وقت كان . قوله : " فاجتاحهم " بجيم ثم بحاء مهملة ، أي : استأصلهم ، من جحت الشيء أجوحه إذا استأصلته ، ومنه الجائحة ، وهي الهلاك .

التالي السابق


الخدمات العلمية