صفحة جزء
6129 ( باب العزلة راحة من خلاط السوء )


أي : هذا باب مترجم بترجمة هي : العزلة ، أي الاعتزال والانفراد ، راحة من خلاط السوء ، بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام جمع خليط ، وهو جمع غريب ، وخليط الرجل : الذي يخالطه ويعاشره ، يستوي فيه الواحد والجمع ، ويجمع الخليط أيضا على خلط بضمتين ، ذكره الصغاني في اللباب ، وقال بعضهم : ذكره الكرماني بلفظ " خلط " بغير ألف ، يعني مثل ما ذكره الصغاني . قلت : لم يذكر الكرماني هكذا ، وإنما قال خلاط ، بضم الخاء وتشديد اللام ، جمع خليط وبكسرها والتخفيف مصدر أي : المخالطة ، هذا الذي ذكره الكرماني ، ولم يرد بقوله وبكسرها إلى آخره أنه الترجمة ، وإنما ذكر هذا لزيادة الفائدة على أنه يجوز أن يكون أشار به إلى جواز الوجهين في قوله : " من خلاط السوء " أحدهما أن يكون جمعا والآخر أن يكون مصدرا من خالط يخالط مخالطة وخلاطا .

قوله : " راحة " أصله روحة ، قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، قال الجوهري : الروح والراحة من الاستراحة ، وهو سكون النفس مع سعة من غير تنكد بشيء ، وهذه مادة واسعة تستعمل لمعان كثيرة . وفي العزلة عن الناس فوائد كثيرة ، وأقلها البعد من شرهم ، وقد قال أبو الدرداء : وجدت الناس أكبر ثقلة . وروى ابن المبارك : أخبرنا [ ص: 82 ] شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : خذوا حظكم من العزلة . وفي رواية : قال عمر : العزلة راحة من خليط السوء . وروى الطحاوي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخير الناس منزلا ؟ قلنا : بلى يا رسول الله . قال : رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، وأخبركم بالذي يليه ، رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة . ثم قال : فإن قال قائل أين ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : " المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " ، ويجاب بأنه لا تضاد بينهما ، لأن قوله " رجل أخذ بعنان فرسه " خرج مخرج العموم والمراد به الخصوص ، فالمعنى فيه أنه من خير الناس ، كما ذكره غيره بمثل ذلك فقال " خير الناس من طال عمره وحسن عمله " أو يكون المراد بتفضيله في وقت من الأوقات لا في كل الأوقات .

التالي السابق


الخدمات العلمية